وثالثها: أن يكون معنى سأصرف عن آياتي أي لا أوتيها من هذه صفته، وإذا صرفهم عنها فقد صرفها عنهم، وكلا اللفظين يفيد معنى واحدا.
ورابعها: أن يكون المراد بالآيات العلامات التي يجعلها الله في قلوب المؤمنين، ليدل بها الملائكة على الفرق بين المؤمن والكافر فيفعلوا بكل واحد منها ما يستحقه من التعظيم أو الاستخفاف كما تأول أهل الحق الطبع والختم اللذين ورد بهما القرآن على أن المراد بهما العلامة المميزة بين الكافر والمؤمن، ويكون معنى سأصرفهم عنها أي أعدل بهم عنها وأخص بها المؤمنين المصدقين بآياتي وأنبيائي.
وخامسها: أن يريد تعالى: أني أصرف من رام المنع من أداء آياتي وتبليغها، لان من الواجب على الله أن يحول بين من رام ذلك وبينه ولا يمكن منه لأنه ينقض الغرض في البعثة.
وسادسها: أن يكون الصرف هنا الحكم والتسمية والشهادة، معلوم أن من شهد على غيره بالانصراف عن شئ جاز أن يقال له: صرفه عنه، كما يقال: أكفره و وكذبه وفسقه.
وسابعها: أنه تعالى لما علم أن الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق سينصرفون عن النظر في آياته والايمان بها إذا أظهرها على أيدي رسله جاز أن يقول: سأصرف عن آياتي فيريد سأظهر ما ينصرفون بسوء اختيارهم عنه، ويجري ذلك مجرى قولهم:
سأبخل فلانا أي أسأله ما يبخل ببذله، والآيات إما المعجزات أو جمع الأدلة.
وثامنها: أن يكون الصرف ههنا المنع من إبطال الآيات والحجج والقدح فيها بما يخرجها عن أن تكون أدلة وحججا، فيكون تقدير الكلام: إني بما أؤيده من حججي وأحكمه من آياتي وبيناتي سأصرف المبطلين والمكذبين عن القدح في الآيات والدلالات.
وتاسعها: أن الله عز وجل لما وعد موسى عليه السلام وأمته لهلاك عدوهم قال:
سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق فأراد عز وجل أنه يهلكهم ويصطلمهم ويحتاجهم على طريق العقوبة لهم، بما قد كان منهم من التكذيب بآيات الله