بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٩٤
هذا مجرى قولهم: اللهم لا تسلط علينا من لا يرحمنا معناه لا تخل بيننا وبين من لا يرحمنا فيتسلط علينا، فكأنهم قالوا: لا تخل بيننا وبين نفوسنا وتمنعنا ألطافك فنزيغ ونضل.
وثالثها ما ذكره الجبائي وهو أن المعنى لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك، و معنى هذا السؤال أنهم سألوا الله أن يلطف لهم في فعل الايمان حتى يقيموا عليه ولا يتركوه في مستقبل عمرهم فيستحقوا بترك الايمان أن تزيغ قلوبهم عن الثواب وأن يفعل بهم بدلا منه العقاب.
ورابعها أن تكون الآية محمولة على الدعاء بأن لا يزيغ القلوب عن اليقين والايمان ولا يقتضي ذلك أنه تعالى سئل ما كان لا يحب أن يفعله، وما لولا المسألة لجاز فعله لأنه غير ممتنع أن ندعوه على سبيل الانقطاع إليه والافتقار إلى ما عنده، بأن يفعل ما نعلم أنه لابد من أن يفعله، وبأن لا يفعل ما نعلم أنه واجب أن لا يفعله إذا تعلق بذلك ضرب من المصلحة كما قال تعالى حاكيا عن إبراهيم: " ولا تخزني يوم يبعثون " (1) وكما قال تعالى في تعليمنا ما ندعو به: " قل رب احكم بالحق وربنا الرحمن " (2) وكقوله تعالى: " ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به ". (3) وقال رضي الله عنه في قول نوح عليه السلام: " لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ": ليس في هذه الآية ما يقتضي خلاف مذهبنا لأنه تعالى لم يقل: إنه فعل الغواية أو أرادها، وإنما أخبر أن نصح النبي عليه السلام لا ينفع إن كان الله يريد غوايتهم، ووقوع الإرادة لذلك، أو جواز وقوعها لا دلالة عليهم في الظاهر، على أن الغواية ههنا الخيبة وحرمان الثواب، ويشهد بصحة ما ذكرناه في هذه اللفظة قول الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما فكأنه قال: إن كان الله يريد أن يخيبكم ويعاقبكم بسوء عملكم وكفركم و يحرمكم ثوابه فليس ينفعكم نصحي ما دمتم مقيمين على ما أنتم عليه، إلا أن تقلعوا وتتوبوا

(١) الشعراء: ٨٧ (٢) الأنبياء: ١١٢.
(٣) البقرة: ٢٨٦.
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331