وقد سمى الله تعالى العقاب غيا فقال: " فسوف يلقون غيا " (1) وما قبل هذه الآية يشهد لما ذكرناه، وأن القوم استعجلوا عقاب الله تعالى فقالوا: " يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي " الآية، فأخبر أن نصحه لا ينفع من يريد الله أن ينزل به العذاب، ولا يغني عنه شيئا.
وقال جعفر بن حرب: إن الآية تتعلق بأنه كان في قوم نوح طائفة تقول بالجبر فنبههم الله تعالى بهذا القول على فساد مذاهبهم، وقال لهم على طريق الانكار عليهم و التعجب من قولهم: إن كان القول كما تقولون من أن الله يفعل فيكم الكفر والفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا مني نصحا فأنتم على قولكم لا تنتفعون به وهذا جيد.
وروي عن الحسن في هذه الآية وجه صالح وهو أنه قال: المعنى فيها: إن كان الله يريد أن يعذبكم فليس ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم وإن قبلتموه وآمنتم به، لان من حكم الله تعالى أن لا يقبل الايمان عند نزول العذاب، وكل هذا واضح في زوال الشبهة في الآية.
أقول: إنما بسطنا الكلام فيما نقلناه عن الأفاضل الاعلام في تفسير تلك الآيات من كلام الملك العلام لتحيط خبرا بما ذكره أهل العدل فيها لدفع شبه المخالفين، و سنتلو عليك ما ورد في تأويلها نقلا عن أئمة الدين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ما تتخلص به من شبه المبطلين.
1 - الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن حماد بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الاستطاعة وقول الناس، فقال: - وتلا هذه الآية ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم - يا أبا عبيدة الناس مختلفون في إصابة القول وكلهم هالك، قال: قلت: قوله: " إلا من رحم ربك " قال: هم شيعتنا ولرحمة خلقهم (2) وهو قوله: " ولذلك خلقهم " يقول: لطاعة الامام. " ج 1 ص 429 "