بدخول بلد من البلدان ورغبه في ذلك وعرفه ما فيه من الصلاح، أو بمجانبة فعل من الافعال أن يقول: أنا أدخلت فلانا البلد الفلاني، وأنا أخرجته من كذا وكذا، ألا ترى أنه تعالى قد أضاف إخراجهم من النور إلى الظلمات إلى الطواغيت، وإن لم يدل ذلك على أن الطاغوت هو الفاعل للكفر للكفار، بل وجه الإضافة ما تقدم لان الشياطين يغوون ويدعون إلى الكفر، ويزينون فعله، فكيف اقتضت الإضافة الأولى أن الايمان من فعل الله في المؤمن، ولم تقتض الإضافة الثانية أن الكفر من فعل الشياطين في الكفار لولا بله المخالفين وغفلتهم؟ وبعد فلو كان الامر على ما ظنوه لما صار الله وليا للمؤمنين وناصرا لهم على ما اقتضته الآية والايمان من فعله لا من فعلهم، ولما كان خاذلا للكفار ومضيفا لولايتهم إلى الطاغوت والكفر من فعله بهم; ولم فصل بين الكافر والمؤمن في باب الولاية وهو المتولي لفعل الامرين فيهما؟ ومثل هذا لا يذهب على أحد ولا يعرض عنه إلا معاند مغالط لنفسه.
وقال رضي الله عنه في قوله تعالى: " ربنا لا تزغ قلوبنا " فيه وجوه: أولها أن يكون المراد بالآية: ربنا لا تشدد علينا المحنة في التكليف ولا تشق علينا فيه، فيفضي بنا إلى ضيق قلوبنا بعد الهداية، وليس يمتنع أن يضيفوا ما يقع من زيغ قلوبهم عند تشديده تعالى المحنة عليهم إليه، كما قال تعالى في السورة: " إنها زادتهم رجسا إلى رجسهم ". (1) فإن قيل كيف يشدد المحنة عليهم؟ قلنا: بأن يقوى شهواتهم لما في عقولهم (2) ونفورهم عن الواجب عليهم فيكون التكليف عليهم بذلك شاقا، والثواب المستحق عليهم عظيما متضاعفا، وإنما يحسن أن يجعله شاقا تعريضا لهذه المنزلة.
وثانيها أن يكون ذلك دعاءا بالتثبيت على الهداية، وإمدادهم بالألطاف التي معها يستمرون على الايمان.
فإن قيل: وكيف يكون مزيغا لقلوبهم بأن لا يفعل اللطف؟ قلنا: من حيث كان المعلوم أنه متى قطع إمدادهم بألطافه وتوفيقاته زاغوا وانصرفوا عن الايمان، ويجري