جهنم بكفرهم وإنكارهم وسوء اختيارهم، ويدل عليه قوله سبحانه: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وقال الزمخشري: جعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق ولا ينظرون بعيونهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر كأنهم عدموا فهم القلوب وإبصار العيون واستماع الآذان وجعلهم لاغراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه وأنهم لا يتأتى منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار، دلالة على توغلهم في الموجبات، وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: " فريقا هدى " أي جماعة حكم لهم بالاهتداء بقبولهم للهدى، أو لطف لهم بما اهتدوا عنده، أو هداهم إلى طريق الثواب " وفريقا حق " أي وجب عليهم الضلالة، إذ لم يقبلوا الهدى، أو حق عليهم الخذلان لأنه لم يكن لهم لطف تنشرح لهم صدورهم، أو حق عليهم العذاب أو الهلاك بكفرهم.
وقال الزمخشري في قوله تعالى: " ولكن الله قتلهم ": أي إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب قي قلوبهم، وشاء النصر والظفر، وقوى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجزع، وما رميت أنت يا محمد إذ رميت ولكن الله رمى، يعني أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغ أثر رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وآله، لان صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لان أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله فكأن الله هو فاعل الرمية على الحقيقة، و كأنها لم توجد من الرسول أصلا.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: " ثم انصرفوا " أي انصرفوا عن المجلس، وقيل انصرفوا عن الايمان به " صرف الله قلوبهم " عن الفوائد التي يستفيدها المؤمنون والسرور بها، وحرموا الاستبشار بتلك الحال. وقيل: معناه صرف الله قلوبهم عن رحمته وثوابه عقوبة لهم على انصراهم عن الايمان بالقرآن، وعن مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله. وقيل:
إنه على وجه الدعاء عليهم أي خذلهم الله باستحقاقهم ذلك، ودعاء الله على عباده وعيد لهم وإخبار بلحاق العذاب بهم.