ويروي: أن السماحة والشجاعة; فقال: " ضمنا " ولم يقل: " ضمنتا " قال الفراء لأنه ذهب إلى أن السماحة والشجاعة مصدران، والعرب تقول: قصارة الثوب يعجبني لان تأنيث المصادر يرجع إلى الفعل وهو مذكر، على أن قوله تعالى: " إلا من رحم ربك " كما يدل على الرحمة يدل أيضا على أن يرحم فإذا جعلنا الكناية بلفظة ذلك عن أن يرحم كان التذكير في موضعه لان الفعل مذكر، ويجوز أيضا أن يكون قوله تعالى: " ولذلك خلقهم " كناية عن اجتماعهم على الايمان وكونهم فيه أمة واحدة لا محالة أنه لهذا خلقهم ويطابق هذه الآية قوله تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وقد قال قوم في قوله تعالى: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة " معناه أنه لو شاء أن يدخلهم أجمعين الجنة فيكونوا في وصول جميعهم إلى النعيم أمة واحدة، وأجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى:
" ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها " في أنه أراد هداها إلى طريق الجنة، فعلى هذا التأويل يمكن أن ترجع لفظة ذلك إلى إدخالهم أجمعين إلى الجنة لأنه تعالى إنما خلقهم للمصير إليها والوصول إلى نعيمها. فأما قوله: " ولا يزالون مختلفين " فمعناه الاختلاف في الدين والذهاب عن الحق فيه بالهوى والشبهات. وذكر أبو مسلم محمد بن بحر في قوله تعالى: " ولا يزالون مختلفين " وجها غريبا وهو أن يكون معناه أن خلف هؤلاء الكافرين يخلف سلفهم في الكفر لأنه سواء قولك: خلف بعضهم بعضا وقولك: اختلفوا، كما سواء قولك: قتل بعضهم بعضا، واقتتلوا. ومنه قولهم: لا أفعل كذا ما اختلف العصران والجديدان أي جاء كل واحد منهما بعد الآخر; فأما الرحمة فليست رقة القلب، لكنها فعل النعم والاحسان; يدل على ذلك أن من أحسن إلى غيره وأنعم عليه يوصف بأنه رحيم وإن لم تعلم منه رقة قلبه عليه.
فإن قيل: إذا كانت الرحمة هي النعمة وعندكم أن نعم الله تعالى شاملة للخلق أجمعين فأي معنى للاستثناء " من رحم " من جملة " المختلفين " إن كانت الرحمة هي النعمة؟
وكيف يصح اختصاصها بقوم دون قوم وهي عندكم شاملة عامة؟.
قلنا: لا شبهة في أن نعم الله سبحانه شاملة للخلق أجمعين غير أن في نعمه أيضا ما