وثالثها أن تكون بمعنى الإثابة: ومنه قوله تعالى: " يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم " (1) وقوله تعالى: " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم " (2) والهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة.
ورابعها: الحكم بالهداية كقوله تعالى: " ومن يهدي الله فهو المهتد " (3) وهذه الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم لأنه تعالى إنما يثيب من يستحق الإثابة وهم المؤمنون، ويزيدهم ألطافا بإيمانهم وطاعتهم، ويحكم لهم بالهداية لذلك أيضا.
وخامسها أن تكون الهداية بمعنى جعل الانسان مهتديا، بأن يخلق الهداية فيه كما يجعل الشئ متحركا بخلق الحركة فيه، والله تعالى يفعل العلوم الضرورية في القلوب فذلك هداية منه تعالى، وهذا الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الأول، فأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالايمان به وبأنبيائه وغير ذلك فإنها من فعل العباد، ولذلك يستحقون عليها المدح والثواب، وإن كان الله سبحانه قد أنعم عليهم بدلالتهم على ذلك وإرشادهم إليه ودعاهم إلى فعله وتكليفهم إياه وأمرهم به، فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم، ومنة منه واصلة إليهم، وفضل منه وإحسان لديهم، فهو مشكور على ذلك محمود، إذ فعله بتمكينه وألطافه وضروب تسهيلاته و معوناته.
وقال رحمه الله في قوله تعالى: " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " (4):
إن المراد به البيان والدلالة، والصراط المستقيم هو الاسلام; أو المراد به: يهديهم باللطف فيكون خاصا بمن علم من حاله أنه يصلح به; أو المراد به: يهديهم إلى طريق الجنة.
وقال في قوله تعالى: " متى نصر الله " (5) قيل: هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن، وإنما قاله الرسول استبطاءا للنصر على جهة التمني. وقيل: إن معناه الدعاء لله بالنصر. وقيل: إنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيلا: قال المؤمنون متى نصر الله؟ وقال الرسول: إلا إن نصر الله قريب.