فيه " جعلنا " لان الله سبحانه لا يجوز أن يريد إصغاء القلوب إلى الكفر ووحي الشياطين، إلا أن نجعلها لام العاقبة. وقال البلخي: اللام في: ولتصغى " لام العاقبة، وما بعده لام الامر الذي يراد به التهديد.
وقال رحمه الله في قوله تعالى: " فمن يرد الله أن يهديه " فيه وجوه:
أحدها: أن معناه من يرد الله أن يهديه إلى الثواب وطريق الجنة يشرح صدره في الدنيا للاسلام بأن يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك به، وإنما يفعل ذلك لطفا له ومنا عليه، وثوابا على اعتدائه بهدى الله وقبوله إياه; ومن يرد أن يضله عن ثوابه وكرامته يجعل صدره في كفره ضيقا حرجا عقوبة له على تركه الايمان من غير أن يكون سبحانه مانعا له عن الايمان، بل ربما يكون ذلك داعيا إليه، فإن من ضاق صدره بالشئ كان ذلك داعيا إلى تركه.
وثانيها: أن معناه فمن يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه، جزاءا له على إيمانه واهتدائه، وقد يطلق الهدى ويراد به الاستدامة; ومن يرد أن يضله أي يخذله ويخلي بينه وبين ما يريده، لاختياره الكفر وتركه الايمان يجعل صدره ضيقا حرجا بأن يمنعه الألطاف التي هو ينشرح لها صدره، لخروجه من قبولها بإقامته على كفره.
وثالثها: أن معناه من يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة لان من حقها أن يزيد المؤمن بصيرة، ومن يرد أن يضله عن تلك الزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن تصح عليه يجعل صدره ضيقا حرجا لمكان فقد تلك الزيادة، لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه أوجب في الكافر ما يضاده، والرجس: العذاب.
وقال في قوله تعالى: " إنا جعلنا الشياطين " أي حكمنا بذلك لأنهم يتناصرون على الباطل كما قال: " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ".
وقال في قوله: " ولقد ذرأنا لجهنم " يعني خلقناهم على أن عاقبتهم المصير إلى