بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٧
أحدهما أنه يقلبهما في جهنم على لهب النار وحر الجمر كما لم يؤمنوا به أول مرة في الدنيا; والآخر أن المعنى: يقلب أفئدتهم وأبصارهم بالحيرة التي تغم وتزعج النفس.
وقال الزمخشري: " ونقلب أفئدتهم ونذرهم " عطف على لا يؤمنون داخل في حكم وما يشعركم أنهم لا يؤمنون، وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم، أي نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق، كما كانوا عند نزول آياتنا أولا، لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعا على قلوبهم وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه. (1) وقال في قوله تعالى: " إلا أن يشاء الله " أي مشية إكراه واضطرار.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله: " كذلك جعلنا " وجوه: أحدها أن المراد كما أمرناك بعداوة قومك من المشركين فقد أمرنا من قبلك بمعاداة أعدائهم من الجن والإنس.
ومتى أمر الله رسوله بمعاداة قوم من المشركين فقد جعلهم أعداءا له.
وثانيها: أن معناه حكمنا بأنهم أعداء وأخبرنا بذلك ليعاملوهم معاملة الأعداء في الاحتراز عنهم والاستعداد لدفع شرهم، وهذا كما يقال: جعل القاضي فلانا عدلا وفلانا فاسقا إذا حكم بعدالة هذا وفسق ذاك.
وثالثها: أن المراد خلينا بينهم وبين اختيارهم العداوة، لم نمنعهم على ذلك كرها ولا جبرا، لان ذلك يزيل التكليف.
ورابعها: أنه سبحانه إنما أضاف ذلك إلى نفسه، لأنه سبحانه لما أرسل إليهم الرسل، وأمرهم إلى دعائهم إلى الاسلام والايمان وخلع ما كانوا يعبدونه من الأصنام والأوثان نصبوا عند ذلك العداوة لأنبيائه، ومثله قول نوح عليه السلام: " فلم يزدهم دعائي إلا فرارا " وقال: والعامل في قوله: " ولتصغى " قوله: " يوحى " ولا يجوز أن يكون العامل

(1) وهذه استعارة، لان تقليب القلوب والابصار على الحقيقة بإزالتها عن مواضعها " إقلاقها عن مناصبها لا يصح، والبنية صحيحة والجملة حية متصرفة، وإنما المراد - والله أعلم - أنا نرميها بالحيرة والمخافة جزاءا على الكفر والضلالة فتكون الأفئدة مسترجعة لتعاظم أسباب المخاوف وتكون الابصار منزعجة لتوقع طلوع المكاره. وقد قيل: إن المراد بذلك تقليبهما على مرامض الجمر في نار جهنم وذلك يخرج الكلام عن حيز الاستعارة إلى حيز الحقيقة; قاله الرضى رضي الله عنه.
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331