ما لا نهاية له من حيرة قبل حيرة لا إلى أول، أو ثبوت إضلال لا إضلال قبله، وإذا كان ذلك من فعله فقد أضل من لم يكن فاسقا وهو خلاف قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " وعلى هذا الوجه فيجوز أن يكون حكم الله عليهم بالكفر وبراءته منهم ولعنته عليهم إهلاكا لهم، ويكون إهلاكه إضلالا، وكل ما في القرآن من الاضلال المنسوب إلى الله تعالى فهو بمعنى ما ذكرناه من الوجوه ولا يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه الاضلال الذي أضافه إلى الشيطان وإلى فرعون والسامري بقوله: " ولقد أضل منكم جبلا كثيرا " (1) وقوله:
" وأضل فرعون قومه " (2) وقوله: " وأضلهم السامري " (3) وهو أن يكون بمعنى التلبيس والتغليط والتشكيك والايقاع في الفساد والضلال وغير ذلك مما يؤدي إلى التظليم و التجوير إلى ما يذهب إليه المجبرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وإذ قد ذكرنا أقسام الاضلال فلنذكر أقسام الهداية التي هي ضده. اعلم أن الهداية في القرآن تقع على وجوه:
أحدها أن تكون بمعنى الدلالة والارشاد يقال: هداه الطريق وللطريق وإلى الطريق إذا دله عليه، وهذا الوجه عام لجميع المكلفين، فإن الله تعالى هدى كل مكلف إلى الحق بأن دله عليه وأرشده إليه لأنه كلفه الوصول إليه فلو لم يدله عليه لكان قد كلفه ما لا يطيق; ويدل عليه قوله تعالى: " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " (4) وقوله: " إنا هديناه السبيل " (5) وقوله: " أنزل فيه القرآن هدى " (6) وقوله: " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " (7) وقوله: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " (8) وقوله: " وهديناه النجدين " (9) وما أشبه ذلك من الآيات.
وثانيها أن يكون بمعنى زيادة الألطاف التي بها يثبت على الهدى; ومنه قوله تعالى: " والذين اهتدوا زادهم هدى ". (10)