بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٠
والآخر أنه كلامه تعالى ابتداءا وكلاهما محتمل، وإذا كان محمولا على هذا فمعنى قوله:
يضل به كثيرا أن الكفار يكذبون به وينكرونه، ويقولون: ليس هو من عند الله فيضلون بسببه، وإذا حصل الضلال بسببه أضيف إليه، وقوله: " ويهدي به كثيرا " يعني الذين آمنوا به وصدقوه، وقالوا: هذا في موضعه، فلما حصلت الهداية بسببه أضيف إليه، فمعنى الاضلال على هذا تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال فالمعنى أن الله يمتحن بهذه الأمثال عباده فيضل بها قوم كثير، ويهدي بها قوم كثير، ومثله قوله:
" رب إنهن أضللن كثيرا من الناس (1) أي ضلوا عندها، وهذا مثل قولهم: أفسدت فلانة فلانا وأذهبت عقله، وهي ربما لم تعرفه ولكن لما ذهب عقله وفسد من أجلها أضيف الفساد إليها، وقد يكون الاضلال بمعنى التخلية على وجه العقوبة وترك المنع بالقهر ومنع الألطاف التي تفعل بالمؤمنين جزاءا على إيمانهم، وهذا كما يقال لمن لا يصلح سيفه:
أفسدت سيفك; أريد به أنك لم تحدث فيه الاصلاح في كل وقت بالصقل والاحداد.
وقد يكون الاضلال بمعنى التسمية بالضلال والحكم به كما يقال: أضله إذا نسبه إلى الضلال، وأكفره: إذا نسبه إلى الكفر، قال الكميت: وطائفة قد أكفروني بحبكم.
وقد يكون الاضلال بمعنى الاهلاك والعذاب والتدمير، ومنه قوله تعالى: " إن المجرمين في ضلال وسعر " (2) ومنه قوله تعالى: " أإذا ضللنا في الأرض " (3) أي هلكنا، وقوله:
" والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم " (4) أي لم يبطل فعلى هذا يكون المعنى:
أن الله تعالى يهلك ويعذب بالكفر به كثيرا بأن يضلهم عن الثواب وطريق الجنة بسببه فيهلكوا ويهدي إلى الثواب وطريق الجنة بالايمان به كثيرا; عن أبي على الجبائي قال:
ويدل على ذلك قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " لأنه لا يخلو من أن يكون أراد العقوبة على التكذيب كما قلناه، أو يكون أراد به التحيير والتشكيك، فإن أراد الحيرة فقد ذكر أنه لا يفعل إلا بالفاسق المتحير الشاك فيجب أن لا تكون الحيرة المتقدمة التي بها صاروا فساقا من فعله إلا إذا وجدت حيرة قبلها أيضا، وهذا يوجب وجود

(١) إبراهيم: ٣٦.
(٢) القمر: ٤٧.
(٣) ألم السجدة: ١٠.
(٤) محمد: ٤.
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331