السادس: أن ذلك في الآخرة، وإنما أخبر عنه بالماضي لتحققه وتيقن وقوعه ويشهد له قوله تعالى: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما " (1) السابع: أن المراد بالختم وسم قلوبهم بسمة تعرفها الملائكة فيبغضونهم ويتنفرون عنهم وعلى هذا المنهاج كلامنا وكلامهم فيما يضاف إلى الله تعالى من طبع وإضلال و نحوهما. انتهى.
أقول: بعد قيام البرهان على امتناع أن يكلف الحكيم أحدا ثم يمنعه عن الاتيان بما كلفه به ثم يعذبه عليه وشهادة العقل بقبح ذلك وأنه تعالى منزه عنه لابد من الحمل على أحد الوجوه التي ذكرها.
وزاد الشيخ الطبرسي رحمه الله على ما ذكر وجهين آخرين: أحدهما ما سيأتي نقلا عن تفسير العسكري عليه السلام وقد مرت الإشارة إليه أيضا وهو أن المراد بالختم العلامة وإذا انتهى الكافر من كفره إلى حالة يعلم الله تعالى أنه لا يؤمن فإنه يعلم على قلبه علامة; وقيل: هي نكتة سوداء تشاهدها الملائكة فيعلمون بها أنه لا يؤمن بعدها فيذمونه ويدعون عليه كما أنه تعالى يكتب في قلب المؤمن الايمان ويعلم عليه علامة تعلم الملائكة بها أنه مؤمن فيمدحونه ويستغفرون له، فقوله تعالى: " بل طبع الله عليها بكفرهم " يحتمل أمرين: أحدهما أنه طبع الله عليها جزاءا للكفر وعقوبة عليه، والآخر أنه طبع عليها بعلامة كفرهم كما يقال: طبع عليه بالطين، وختم عليه بالشمع.
وثانيهما أن المراد بالختم على القلوب أن الله شهد عليها وحكم بأنها لا تقبل الحق كما يقال: أراك أنك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به وتصدقه، وقد ختمت عليك بأنك لا تفلح أي شهدت، وذلك استعارة. قوله تعالى: " يضل به كثيرا " قال الطبرسي رحمه الله: فيه وجهان: أحدهما: حكي عن الفراء أنه قال حكاية عمن قال: ما ذا أراد الله بهذا مثلا " أي يضل به قوم ويهدي به قوم، ثم قال الله تعالى: " وما يضل به إلا الفاسقين " فبين تعالى أنه لا يضل إلا فاسقا ضالا، وهذا وجه حسن.