ورابعها أن المراد من يرد الله اختباره بما يبتليه من القيام بحدوده فيدع ذلك ويحرفه.
والأصح الأول. " فلن تملك له من الله شيئا " أي فلن تستطيع أن تدفع لأجله من أمر الله الذي هو العذاب أو الفضيحة أو الهلاك شيئا " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " معناه: أولئك اليهود لم يرد الله أن يطهر من عقوبات الكفر التي هي الختم والطبع والضيق قلوبهم، كما طهر قلوب المؤمنين منها، بأن كتب في قلوبهم الايمان، وشرح صدروهم للاسلام. وقيل: معناه: لم يرد أن يطهرها من الكفر بالحكم عليها بأنها بريئة منه، ممدوحة بالايمان.
قال القاضي: وهذا لا يدل على أنه سبحانه لم يرد منهم الايمان لان ذلك لا يعقل من تطهير القلب إلا على جهة التوسع، ولان قوله: " لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " يقتضي نفي كونه مريدا، وليس فيه بيان الوجه الذي لم يرد ذلك عليه، و المراد بذلك أنه لم يرد تطهير قلوبهم مما يلحقها من الغموم بالذم والاستخفاف والعقاب ولذا قال عقيبه: " لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " ولو كان أراد ما قاله المجبرة لم يجعل ذلك ذما لهم ولا عقبه بالذم، ولا جعله في حكم الجزاء على ما لأجله عاقبهم وأراد ذلك فيهم.
أقول: روى النعماني في تفسيره فيما رواه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنهم سألوه عن المتشابه في تفسير الفتنة فقال: منه فتنة الاختبار وهو قوله تعالى: " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " (1) وقوله لموسى: " وفتناك فتونا ". (2) ومنه فتنة الكفر وهو قوله تعالى: " لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله " (3) وقوله سبحانه في الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك أن يتخلفوا عنه من المنافقين فقال الله تعالى فيهم: " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا " (4) يعني ائذن لي ولا تكفرني، فقال عز وجل: " ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ". (5)