بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٦٨
" ولا تطع من أغفلنا قلبه " (1) وبالاقساء في قوله تعالى " وجعلنا قلوبهم قاسية " (2) وهي من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله واقعة بقدرته استندت إليه، ومن حيث إنها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله: " بل طبع الله عليها بكفرهم " (3) وقوله تعالى: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم " (4) وردت الآية ناعية عليهم (5) شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم، واضطرت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل:
الأول: أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه.
الثاني: أن المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن أو قلوب مقدر ختم الله عليها; ونظيره: سال به الوادي: إذا هلك، وطارت به العنقاء: إذا طالت غيبته.
الثالث: أن ذلك في الحقيقة فعل الشيطان، أو الكافر لكن لما كان صدوره عنه بإقداره تعالى إياه أسنده إليه إسناد الفعل إلى السبب.
الرابع: أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق طريق إلى تحصيل إيمانهم سوى الالجاء والقسر ثم لم يقسرهم إبقاءا على غرض التكليف عبر عن تركه بالختم، فإنه سد لايمانهم، وفيه إشعار على ترامي أمرهم في الغي وتناهي انهماكهم في الضلال والبغي.
الخامس: أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل: " قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب " (6) تهكما واستهزاءا بهم، كقوله تعالى: " لم يكن الذين كفروا " (7) الآية.

(١) الكهف: ٢٨ (٢) المائدة: ١٣.
(٣) النساء: ١٥٥.
(٤) المنافقون: ٣.
(٥) نعى عليه شهواته: عابه بها. ونعى عليه ذنوبه: ظهرها وشهرها.
(٦) حم السجدة: ٥ أقول: أكنة جمع الكن، وهو وقاء كل شئ وستره، قال الشيخ الطوسي في التبيان: وإنما قالوا: ذلك ليؤيسوا النبي صلى الله عليه وآله من قبولهم دينه، فهو على التمثيل فكأنهم شبهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل إليه شئ مما وراءه، وفيه تحذير من مثل حالهم في كل من دعى إلى أمر لا يمتنع أن يكون هو الحق، فلا يجوز أن يدفعه بمثل هذا الدفع، " وفى آذاننا وقر " أي ثقل عن استماع هذا القرآن " ومن بيننا وبينك حجاب " قيل: الحجاب: الخلاف الذي يقتضى أن نكون بمعزل عنك، قال الزجاج: معناه: حاجز في النحلة والدين، أي لا نوافقك في مذهب.
(٧) البينة: ١.
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331