فصل إعلم أن الدعاء يدفع البلاء، وزوال المرض وحفظ الولد لا ينافي الرضاء بالقضاء، فقد تعبدنا الله سبحانه بالدعاء، وندبنا إليه وحثنا عليه، وجعل تركه استكبارا وفعله عبادة ووعد بالإجابة ودعاء الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأمروا به، وما نقل عنهم خارج عن حد الحصر، وقد أثنى الله تعالى على الداعين من عباده، فقال: ﴿ويدعوننا رغبا ورهبا﴾ (1).
ومن وظائف الداعي أن يكون في دعائه ممتثلا لأمر ربه تبارك وتعالى بالدعاء في طلب ما أمره (2) بطلبه، وأنه لولا أمره به، وإذنه له فيه لما اجترئ على التعرض لمخالفة قضائه، وفي الحقيقة هذا نوع من الرضاء لمن فهم مواضع (3) الرضاء، وأدب نفسه، وقام بوظائف الدعاء.
ومن علاماته أنه إذا لم يجب إلى مطلوبه لا يتألم من ذلك، من حيث عدم إجابته، لجواز أن يكون المدعو به مشتملا على مفسدة لا يعلمها إلا الله تعالى، كما ورد أن العبد ليدعو الله تعالى بالشئ حتى ترحمه الملائكة وتقول: إلهي ارحم عبدك المؤمن، وأجب دعوته، فيقول الله تعالى: كيف أرحمه من شئ به أرحمه؟
نعم، لو استوحش من حيث احتمال أن يكون السبب الذي أوجب رد دعائه بعده عن الله تعالى، واستحقاقه للخيبة والاجباه (4) والطرد والإبعاد، فلا حرج. فإن كمال المؤمن أن يكون ماقتا لنفسه مزريا عليها حتى لو أجيبت دعوته، فلا يظنن أن ذلك من كرامته على الله تعالى وقربه منه، بل يجوز أن يكون ذلك من بغض الله تعالى وكراهته لصوته، وتأذي الملائكة برائحته، فتسأل الله تعالى أن يعجل بإجابته (5) لتستريح منه.