يوم عمل ليس فيه حساب، ألا وإنكم توشكون في يوم حساب ليس فيه عمل) (1).
واعلم أن محبوبا يفارقك، وتبقى على نفسك حسرته وألمه، وفي حال إيصاله (2) كدك وكدحك وجدك واجتهادك، ومع ذلك لا يخلو زمانك معه من تنغيص (3) به أو عليه، لأجل أن تتسلى عنه، وتطلب لنفسك محبوبا غيره، وتجتهد في أن يكون موصوفا بحسن الصحة، ودوام الملازمة، وزيادة الأنس، وتمام المنفعة.
فإن ظفرت به فذلك هو الذي ينبغي أن يكون بغيتك التي تحفظها، وتهتم بها، وتنفق وقتك عليها، وهو غاية كل محبة، ومنتهى كل مقصد، وما ذاك إلا الاشتغال بالله، وصرف الهمة إليه، وتفويض ما خرج عن ذلك إليه، فإن ذلك دليل على حب الله تعالى، يحبهم ويحبونه والذين آمنوا أشد حبا لله.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحب لله من شرط الأيمان، فقال:
(لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) (4).
ولا يتحقق الحب في قلب (أحدكم لأحد) (5) مع كراهته لفعله وسخطه به، بل مع عدم رضاه على وجه الحقيقة، لا على وجه التكلف والتعنت.
وفي أخبار داود عليه السلام: (يا داود، أبلغ أهل أرضي: اني حبيب من أحبني، وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبني أحد (6) أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي، (وأحببته حبا) (7) لا يتقدمه أحد من خلقي، من طلبني بالحق وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني. فارفضوا - يا أهل الأرض - ما أنتم عليه من غرورها، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي، وأنسوا بي أؤانسكم، وأسارع إلى محبتكم) (8).