خراب، ومالها - وإن اغتر بها الجاهل - إلى ذهاب، ومن خاض الماء الغمر (١) لا يجزع من بلل، كما أن من دخل بين الصفين لا يخلو من وجل، ومن العجب من أدخل يده في فم الأفاعي كيف ينكر اللسع، وأعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر النفع!
وما أحسن قول بعض الفضلاء (٢) في مرثية ابنه:
طبعت على كدر وأنت تريدها * صفوا من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها * متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني البناء على شفير هار وقال بعض العارفين: ينبغي لمن نزلت به مصيبة أن يسهلها على نفسه، ولا يغفل عن تذكر ما يعقبه من وجوب الفناء وتقضي المسار، وأن الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، يجمعها من لا عقل له، ويسعى لها من لا ثقة له، وفيها يعادي من لا علم له، وعليها يحسد من الفقه له، من صخ فيها سقم، ومن سقم فيها برم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن.
واعلم أنك قد خلقت في هذه الدار لغرض خاص، لأن الله تعالى منزه عن العبث، وقد قال الله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ (3) وقد جعلها مكتسبا لدار القرار، وجعل بضاعتها الأعمال الصالحة، ووقتها العمر، وهو قصير جدا بالنظر إلى ما يطلب من السعادة الأبدية، التي لا انقضاء لها.
فإن اشتغلت بها، واستيقظت استيقاظ الرجال، واهتممت بشأنك اهتمام الأبدال، رجوت أن تنال نصيبك منها، فلا تضيع عمرك في الاهتمام بغير ما خلقت له، يضيع وقتك، ويذهب عمرك بلا فائدة، فإن الغائب لا يعود، والميت لا يرجع، وتفوتك