مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٧٩
الباب الثالث: في الرضا قال الله تعالى: ﴿لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم﴾ (١) ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ (٢).
إعلم أن الرضا ثمرة المحبة لله، من أحب شيئا أحب فعله والمحبة ثمرة المعرفة، فإن من أحب شخصا إنسانيا لاشتماله على بعض صفات الكمال أو نعوت الجمال، يزداد حبه له كلما زاد به معرفة وله تصورا.
فمن نظر بعين بصيرته إلى جلال الله تعالى وكماله - الذي يطول شرح تفصيل بعضه، ويخرج عن مقصود الرسالة - أحبه، والذين آمنوا أشد حبا لله، ومتى أحبه استحسن كل أثر صادر عنه، وهو يقتضي الرضا.
فالرضا ثمرة من ثمرات المحبة، بل كل كمال فهو ثمرتها، فإنها لما كانت فرع المعرفة استلزم تصور رحمته رجاؤه، وتصور هيبته الخشية له، ومع عدم الوصول إلى المطلوب الشوق، ومع الوصول الأنس، ومع إفراط الأنس الانبساط، ومع مطالعة عنايته التوكل، ومع استحسان ما يصدر عنه الرضا، ومع تصور قصور نفسه في جنب كماله وكمال إحاطة محبوبه به وقدرته عليه التسليم إليه، ويتشعب من التسليم مقامات عظيمة، يعرفها من عرفها، وينتهي الأمر به إلى غاية كل كمال.
واعلم أن الرضا فضيلة عظيمة للإنسان، بل جماع أمر الفضائل يرجع إليها، وقد نبه الله تعالى على فضله، وجعله مقرونا برضا الله تعالى وعلامة له، فقال: ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ (٣) ﴿ورضوان من الله أكبر﴾ (4) وهو نهاية الإحسان، وغاية الامتنان.
وجعله النبي صلى الله عليه وآله دليلا على الإيمان، حين سأل طائفة من أصحابه، (ما أنتم؟) قالوا مؤمنون، فقال: (ما علامة إيمانكم؟) قالوا: نصبر على البلاء، ونشكر عند الرخاء، ونرضى بمواقع القضاء، فقال: (مؤمنون ورب الكعبة) (5).

(١) الحديد ٥٧: ٢٣.
(٢) المائدة ٥: ١١٩، التوبة ٩: ١٠٠ المجادلة ٥٨: ٢٢، البينة ٩٨: ٨.
(٣) المائدة ٥: ١١٩، والتوبة ٩: ١٠٠، والمجادلة ٥٨: ٢٢، والبينة ٩٨: ٨.
(٤) التوبة ٩: 72.
(5) ورد باختلاف في ألفاظه في التمحيص: 61: 137، ودعائم الاسلام 1: 223 وأخرجه الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء 7: 107.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116