قد صرع، والنمل يأكل لحمه، فرفعت رأسه، ووضعته في حجري، وأنا أردد الكلام، فلما أفاق قال: من هذا الفضولي الذي يدخل بيني وبين ربي؟ فوحقه لو قطعني إربا إربا، ما ازددت له إلا حبا.
وقطعت رجل بعضهم من ركبته من إكلة (1) خرجت بها، فقال: الحمد لله الذي أخذ مني واحدة، وترك ثلاثا، وعزتك لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت ابتليت لقد عافيت، ثم لم يدع ورده تلك الليلة.
وقال بعضهم، نلت من كل مقام حالا إلا الرضا بالقضاء، فما لي منه إلا مشام الريح، وعلى ذلك لو أدخل الخلائق كلهم الجنة، وأدخلني النار كنت بذلك راضيا.
وقيل لبعض العارفين: نلت غاية الرضا عنه، فقال: أما الغاية فلا، ولكن مقام من الرضا قد نلته، لو جعلني الله جسرا على جهنم، تعبر الخلائق علي إلى الجنة، ثم ملأ بي جهنم لأحببت ذلك من حكمه، ورضيت به من قسمه.
وهذا كلام من علم أن الحب قد استغرق همه، حتى منعه الإحساس بألم النار، واستيلاء هذا الحالة غير محال في نفسه، لكنه بعيد من الأحوال الضعيفة في هذا الزمان، ولا ينبغي أن يستنكر الضعيف المحروم حال الأقوياء، ويظن أن ما هو عاجز عنه يعجز عنه غيره من الأولياء.
وكان عمران بن حصين (2) - رضي الله عنه - استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة لا يقوم ولا يقعد، قد ثقب له قي سريره موضع لقضاء الحاجة (3)، فدخل عليه أخوه العلاء فجعل يبكي لما يرى من حاله، فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة، قال: لا تبك، فإن أحبه لي الله تعالى أحبه، ثم قال: أحدثك شيئا لعل الله (4) ينفعك به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة لتزورني (5) فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة، إذ هو سبب لهذه النعمة