السعادة التي خلقت لها. فيالها حسرة لا تفنى، وغبن لا يزول، إذا عاينت درجات السابقين، وأبصرت منازل المقربين، وأنت مقصر من الأعمال الصالحة، خلي من المتاجر الرابحة! فقس ذلك الألم على هذه الآلام، وادفع أصعبهما عليك وأضرهما لك: مع أنك تقدر على دفع سبب هذا، ولا تقدر على دفع سبب ذاك.
كما قال علي عليه السلام: (إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت مأجور، وإن جزعت (١) جرى عليك القضاء وأنت مأزور (٢)، فاغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، واجعل الموت نصب عينك، واستعد له بصالح العمل، ودع الاشتغال بغيرك، فإن الموت يأتي إليك دونه).
وتأمل قوله تعالى: ﴿وان ليس للانسان ألا ما سعى * وان سعيه سوف يرى﴾ (3) فقصر أملك، وأصلح (4) عملك، فإن السبب الأكثري الموجب للاهتمام بالأموال والأولاد طول الأمل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لبعض أصحابه: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا) (5).
وقال علي عليه السلام: (إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فإنه يعدل عن الحق، وأما طول الأمل فإنه يورث الحب للدنيا) (6).
ثم قال: (ألا إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ويبغض، وإذا أحب عبدا أعطاه الإيمان، ألا إن للدين أبناء، وللدنيا أبناء، فكونوا من أبناء الدين، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألا إن الدنيا قد ارتحلت مولية، ألا إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، إلا وإنكم في