واعلم أن البكاء لا ينافي الرضى، ولا يوجب السخط، وإنما مرجع ذلك إلى القلب، كما ستعرفه - إن شاء الله تعالى - ومن ثم بكاء الأنبياء والأئمة عليهم السلام على أبنائهم وأحبائهم، فإن ذلك أمر طبيعي للإنسان، لا حرج فيه إذا لم يقترن بالسخط، وسيأتي.
الخامس: أن ينظر صاحب المصيبة إلى أنه في دار قد طبعت على الكدر والعناء، وجبلت على المصائب والبلاء، فما يقع فيها من ذلك هو مقتضى جبلتها وموجب طبيعتها، وإن وقع خلاف ذلك فهو على خلاف العادة لأمر آخر، خصوصا على الأكابر والنبلاء من الأنبياء والأوصياء والأولياء، فقد نزل بهم من الشدائد والأهوال ما يعجز عن حمله الجبال، كما هو معلوم في المصنفات، التي لو ذكر بعضها لبلغ مجلدات.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل) (1).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر) (2).
وقد قيل: إن الدنيا ليس فيها لذة على الحقيقة، إنما لذاتها راحة من مؤلم، هذا وأحسن لذاتها، وأبهى بهجاتها مباشرة النساء، المترتب عليه حصول الأبناء، كم يعقبه من قذى (3)، أقلة ضعف القوى وتعب الكسب والعناء. ومتى حصل محبوب كانت آلامه تربو على لذاته، والسرور به لا يبلغ معشار حسراته، وأقل آفاته في الحقيقة الفراق الذي ينكث (4) الفؤاد، ويذيب (5) الأجساد.
فكلما تظن في الدنيا أنه شراب سراب، وعمارتها - وإن حسنت - إلى