فبعث أمير عمان باستحضاره إلى اليمن من طريق البصرة.
فحدث هذا الشيخ قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة وقد شكا الناس إليه أمر الفرات وأنه قد أتى بما لا يحتمله، وقالوا: نخاف يا أمير المؤمنين أن تهلك ضياعنا ومزارعنا، فقال: " ما تحبون؟ " قالوا: تسأل الله تعالى أن ينقصه عنا، فقال:
" حبا وكرامة ".
ثم وثب أمير المؤمنين قائما ودخل حجرته والناس بعضهم جلوس وبعضهم وقوف ينتظرونه، فلم يلبث إذ خرج وعليه جبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمامته ورداؤه وإزاره ونعله وخاتمه، وبيده قضيبه، وهو أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدعا بفرس وركبه وسار وأولاده معه وجميع الناس عن يمينه ويساره حتى وردوا إلى الفرات، فنزل وأتى على ركعتين خفيفتين، فقام وأخذ القضيب ومشى على الجسر والناس ينظرون إليه، وليس معه على الجسر غير الحسن والحسين وأنا، فقال: " هكذا " وأهوى إلى الماء بالقضيب، فنقص الفرات ذراعا والناس ينظرون، فقال: " معاشر الناس، أنجزتكم؟ " فقالوا: زيادة يا أمير المؤمنين. فقام قائما ثم جلس وأهوى بالقضيب إلى الماء، فنقص الفرات ذراعا آخر، فقال: " أنجزتكم؟ " قالوا: حسبك يا أمير المؤمنين؛ فإنه إن نقص أكثر من هذا أضر بنا.
فقام وركب فرسه وأقبل على الناس وقال: " والذي نفس محمد بيده، لو سألتموني أن أنقص الفرات لنقصته حتى أريكم حيتانه وما في قعره! ".
فقال قوم: صدقت يا أمير المؤمنين، وقال آخرون: أسحر هذا أم كهانة؟ فبلغ أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما كان يوم الجمعة، خطب الخطبة وذكر فيها: " إن أناسا قالوا:
أسحر ما أتيته؟! كذبوا وأيم الله! إنا أناس اختصنا الله لنفسه وأوجب حقوقنا على خلقه، ما سألناه قط حاجة إلا قضاها، ولا دعوناه على عدو إلا كفانا " (1).