فقلت: على الدنيا.
فقال: " لذات الدنيا سبعة: مأكول، ومشروب، ومشموم، وملبوس، ومنكوح، ومركوب، ومسموع. وألذ المأكولات العسل وهو من ذبابة، وألذ الملبوسات الحرير وهو لعاب دودة، وألذ المشمومات المسك وهو من دم فأرة، وألذ المركوبات الخيل وهي من القواتل، وألذ المسموعات الغناء والترنم وهو إثم، وألذ المشروبات الماء وحسبك خيره وإباحته، وألذ المنكوحات النساء - وإنما يراد أحسن ما في المرأة لا قبح حال فيها - فعلى ما هذا وزنه من الدنيا فتنفست الصعداء! " (1).
قال جابر: فأمسيت من أزهد الناس في الدنيا، وسرنا والشمس قد قامت في أفق السماء، وإذا بشخص قد أقبل في البرية ما رأيت أقبح منه منظرا ولا أوحش منه وجها يجر لحيته في الأرض، إذ وثب على أمير المؤمنين فقبض على جربانه (2). فقال:
يا بن أبي طالب، قتلت الرجال وأيتمت الأولاد، آلله أذن لك بهذا أم على الله تفترون؟!
قال: فتفل أمير المؤمنين (عليه السلام) تفلة عظيمة وقال: " اخسأ فتأفف! " فوالله لقد رأيته فقد مسخ فصار بين الكلب والثعلب، له عواء ما رأيت أقبح منه ولا سمعت.
فقلت: يا أمير المؤمنين، لك مثل هذا المحل وابن هند آكلة الأكباد يضرب وجهك بالسيف؟! قال: فقبض يده على الهواء قبضة، فرأيت معاوية في يده وقد جمع بين جربانه وذيله، وقال: " هو " قلنا: هذا هو الملعون!
فقال أمير المؤمنين: " نحن عباد مكرمون لا نسبق مولانا بالقول، ونحن بأمره نعمل " ثم زح به فغاب عن أعيننا، ثم قال: " إلى وقته ".
وحكى لنا جماعة من أهل الشام ممن كان بحضرة معاوية في ذلك الوقت أنهم