وهم في واد آخر وإرجاع الضمير إلى المؤمنين خطأ كما لا يخفى (وكانت لهم طاعتهم) في الأمر والنهي كانوا كالمجبورين فيها فلذلك اقتضت الحكمة عدم كشف الغطاء تحقيقا لمعنى التكليف والثواب والعقاب ومن ثم قال الكفار للرسل (إن أنتم إلا بشر مثلنا) نظرا إلى الصورة الظاهرة وغفلة عن الصورة الباطنة (ولو نظروا إلى مردود الأعمال من الله عز وجل) وإن كانت صالحة بحسب الظاهر لأمور خفية لا يعلمها إلا هو ونظروا إلى ما ورد عليه من المقت والخزي والنكال وغنائه عز وجل عنه وعن عمله (لقالوا ما يتقبل الله من أحد عملا) وهذا الذي أوقع المؤمن وراء الغطاء بين الخوف والرجاء (وسمعته يقول لرجل من الشيعة أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات) لأنهم طيبون بحسب الذات والصفات ولو صدر منهم بعض الزلات يدركهم عفو الله ولو بالمصيبات كما يشعر به بعض الأخبار والآيات (كل مؤمنة حوراء عيناء) الحوراء بفتح الحاء: هي الشديدة بياض العين، الشديدة سوادها والعيناء: واسع العين مع سوادها (وكل مؤمن صديق) هو فعيل للمبالغة في الصدق وهو من يصدق قوله بالعمل ويوافق ظاهره باطنه في جميع الأمور.
(قال: وسمعته يقول: شيعتنا أقرب الخلق) المؤمنين من لدن آدم (عليه السلام) إلى آخر الدهر (من عرش الله عز وجل يوم القيامة بعدنا) كان المراد بالعرش: الرحمة سميت به لاستقرار المؤمنين فيها ويحتمل الجسماني لما عرفت مرارا أن له عز وجل عرشا لا لاستقراره فيه لأنه محال بل هو معبد الملائكة المقربين ومطافهم (وما من شيعتنا أحد يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفه فيها عدد من خالفه من الملائكة) يؤيده ما نقل أن المؤمن وحده جماعة، ولعل المراد من خالفه بعد قبض النبي (صلى الله عليه وآله) إلى آخر الدهر وتخصيصه بالمخالف في عصره بعيد (وأن الصائم منكم ليرتع في رياض الجنة) أي ليتمتع ويتنعم فيها حيث يشاء وفي النهاية الرتع: الاتساع في الخصب والتنعم ويحتمل أن يراد برياض الجنة ذكر الله تعالى ويؤيده ما رواه العامة «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قال صاحب النهاية: أراد برياض الجنة ذكر الله تعالى وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب (وسمعته يقول:
أنتم أهل تحية الله بسلامه) في قوله عز وجل (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) والسلام:
السلامة عن المكاره والفتن والآفات ومنه قيل للجنة: دار السلام لسلامتها عما ذكر (وأهل أثرة الله برحمته) الأثرة بالضم: المكرمة المتوارثة (ولا خوف) من العقاب (ولا حزن) بفوات الثواب إذ العقاب مرتفع قطعا والثواب ثابت أبدا (وأنتم أهل الرضا عن الله عز وجل برضاه عنكم) قيل: رضا العبد عنه تعالى عبارة عن رفع الاختيار، وقيل: هو سكون النفس تحت مجارى القدر، وقيل: هو السرور بمر القضاء وإلا ولأن تعريف المبدء والأخير تعريف المنتهى، ورضاه تعالى عن العبد إفاضة الخيرات في الدنيا والآخرة ومنها تشريفهم بالقرب (دياركم لكم جنة) أي دياركم في الدنيا جنة لكم لإتباعكم فيها ما