عليه، وأشرا وبطرا علة لبغيهم عليهم وجعل كل واحد متعلقا بكل واحد أو بحسدهم وبغيهم محتمل ولكن قوله بغيا يأباه في الجملة فليتأمل، ثم نبه (عليه السلام) لمناسب المقام بقوله (وبالله أنه ما عاش قوم قط في غضارة. انتهى) على أن كل من له نعمة وغضارة عيش وطيبه وطاعة لله تعالى وشكر له وغيرها من الفضايل النفسانية والبدنية ثم سلب منه تلك النعمة وأزيلت عنه تلك الفضيلة ما كان سبب السلب والإزالة إلا ثغيرهم ما بأنفسهم من الأحوال الحسنة إلى الأحوال القبيحة وتحويلهم من الطاعة إلى المعصية وقلة محافظة ما أراد الله تعالى منهم وترك مراقبته في مقام المعصية، ثم استدل على ذلك بقوله تعالى فقال: (لأن الله عز وجل يقول في محكم كتابه: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) من الكمالات وحسن الحالات إلى أضدادها (وإذ أراد الله بقوم سوءا) إرادة حتم (فلا مرد له) إذ لا يقدر شيء أن يعارضه في إرادته (وما لهم من دونه من وال يلي صلاح أمرهم ودفع السوء عنهم، واعلم أن المشتغلين بالمعصية حاملون لوزرها دافعون لنعمتهم الحاصلة ما نعون من حصول المترقبة مفسدون لحالهم ونظامهم ولو أنهم أيقنوا حين خافوا زوال النعمة وحلول النقمة وتحويل العافية أن ذلك بسبب معصيتهم فتابوا إلى الله توبة نصوحا لتجاوز الله عن ذنوبهم وعثراتهم ورد عليهم النعمة المصروفة عنهم وأنزالها إليهم أعاد لهم كل ما زال عنهم من النعمة الحاصلة وفسد عليهم من الحالة الصالحة وإلى جميع ذلك أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: (ولو أن أهل المعاصي وكسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعمة الله وحلول نقمته وتحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله عز ذكره بما كسبت أيديهم) من الذنوب فقوله: «أيقنوا خبر» «أن» وقوله «إذا هم» ظرف زمان له وقوله «لصفح» جزاء الشرط (فاقلعوا) عن المعاصي والذنوب (وتابوا) إلى الله عز وجل منها (وفزعوا إلى الله تعالى): أي خافوا عدم قبول التوبة راجعين أو متضرعين إليه في قبولها واستغاثوا إليه للتوفيق في التوبة والثبات عليها (بصدق نياتهم) على أن لا يرجعوا إليها أبدا وهن التوبة الخاصة وتوبة النصوح (وإقرار منهم بذنوبهم وإسالتهم) تفصيلا أو إجمالا (لصفح بهم عن كل ذنب) أذنبوه والصفح: التجاوز والعفو.
(وإذا لأقالهم كل عثرة) إذا: جواب وجزاء تأويلها إن كان الأمر كما ذكرت والإقالة: نقض البيع والمراد هنا نقض العثرات والتجاوز عنها وهذا كالتأكيد أو التعميم بعد التخصيص لأن العثرة أعم من الذنب (ولرد عليهم كل كرامة نعمة) كانت ممنوعة الوصول إليهم والظاهر أن الإضافة بيانية (ثم أعاد لهم من صالح أمرهم ومما كان أنعم الله به عليهم) من للابتداء أو التعليل (كل ما زال عنهم وفسد عليهم) بسبب المعصية من النعماء والأحوال الحسنة وفي ثم إشعار بأن هذا التفضل أبلغ وأكمل