المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها، أن تكون كما قال الله عز وجل. اه) أي لن تتجاوز الدنيا عند تناهي أماني الراغبين فيها وحصول متمنياتهم كما هي أن تكون مشابهة لما تضمنته الآية الكريمة فقوله «أن تكون» مفعول لن تعدوا، وبالجملة شبه حالهم في سرعة زوالهم وذهاب نعيمهم وانقطاع متمنياتهم بعد إقبالها واهتزازهم بها بحال الأرض في نضرتها وخضرتها وبهجتها وحسنها بالنبات الحاصل من الماء، ثم سرعة تعقب الهلاك والزوال والفناء، ثم أشار إلى أن نعماء الدنيا مشوبة ببلائها وزهراتها مختلطة بآفاتها جرا عن الميل إليها وصرف العمر فيها وتبديل النعماء الأخروية الصافية الدايمة بها بقوله (مع أنه لم يصب امرء منكم في هذه الدنيا حبرة) وهي بالفتح:
النعمة الحسنة وسعة العيش (إلا أورثته عبرة) وهي بالفتح: الدمعة قبل أن يفيض أو الحزن بلا بكاء (ولا يصبح فيها في جناح أمن) أي في ظل جناح أمن أو تحت جناحه كبيض الطير أو فرخه تحت جناحه وفيه مكنية وتخييلية (إلا وهو يخاف فيها نزول جايحة): هي آفة تهلك الثمار ومصيبة عظيمة وفتنة مبيرة (أو تغير نعمة أو زوال عافية) كل ذلك ظاهر لأهل الدنيا بمشاهدة انقلاباتها وتغير حالاتها ثم ذكر ما يوجب ترك الدنيا لمن تأمل وتدبر وتعقل وتفكر فقال: (مع أن الموت من وراء ذلك) من تفكر في أمر الموت وشدائده وضرورة وقوعه يستعد له ويمنعه عن الطعام والشراب فضلا عن الاطمينان في الدنيا التي هي بمنزلة السراب (وهول المطلع) قيل: هو رؤية ملك الموت وفي الصحاح هو موضع الاطلاع من أشرف إلى انحدار وفي الحديث هول المطلع شبه ما أشرف من أمر الآخرة عليه، وفي النهاية يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت، فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال (والوقوف بين يدي الحكم العدل) أشار بذكر الوقوف إلى ذل الخلائق حينئذ ويذكر الحكم إلى جريان حكمه عليهم وبذكر العدل إلى أنه يثيب المطيع ويعاقب العاصي، ولا يجوز أن يعكس أو يمنع الحق عن المستحق وفيه تحريض على الطاعة وتبعيد عن المعصية وأعظمها حب الدنيا والميل إليها (تجزي كل نفس بما عملت) كأنه استيناف جوابا عن سبب الوقوف أو غرضه والمراد بالموصول الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وأضدادهما ثم فصل ذلك مع زيادة بقوله (ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) أي: المثوبة الحسنى أو المعاملة الحسنى أو المنزلة والمرتبة الحسنى وهي الزلفى أو الجنة وفي جعل جزاء الإساءة ما عملوا وجزاء الإحسان الحسنى تنبيه على أن جزاء السيئة لا يضاعف وجزاء الحسنة يضاعف، ثم أمر بعد الأوصاف المقتضية للتقوى والمسارعة إلى الطاعة وما يوجب الرضوان والتقرب بهذه الأمور على سبيل التفريع فقال: (فاتقوا الله عز ذكره) حق تقاته بالحذر عما يكرهه من منهياته.
(وسارعوا إلى رضوان الله) أي: إلى سبب رضوانه (والعمل بطاعته) المندرجة فيها طاعته رسوله وطاعة ولي الأمر بعده