عظيما لا يصل إليه أفهام الحامدين كما لا يصل إلى عظمة جلاله عقول العارفين ويثيبه عليه (ويملأ قدر آلائه وكبريائه) أي يساويها في الكثرة والعظمة وهذا من باب الكناية لأن الملأ يستلزم التساوي بين الظرف والمظروف (الذي كان في أوليته متقادما) أريد بأوليته سيق وجوده وجود الموجودات كلها، وبقدمه: عدم كون وجوده حادثة مسبوقا بالعدم، وأشار بلفظ التقادم إلى أن ليس المراد بالقدم طول الزمان بناء على أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني وأن الفعل بين الاثنين على وجه الغلبة وإن لم يكن هنا بين اثنين يوجب وقوعه على وجه الكمال وتلك الزيادة والكمال يدلان على أن المراد هو الأولية المنافية للحدوث (وفي ديمومية متسيطر): أي متسلطا على جميع ما سواه فلا يجري عليه الزوال والفناء وإلا كان الزوال أو غيره متسلطا عليه، هذا خلف أو متعهدا لبقائه أبدا ولأمور الخلائق، أو رقيبا حفيظا عليهم، والأولان أنسب لدلالتهما على ديموميته المنافية لانقطاع وجوده وطريان العدم عليه كما أن في السابق دلالة على أزلية المنافية للحدوث.
(خضع الخلائق بوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته) أن ذل واستكان له جميع الخلائق بسبب أوصافه الثلاثة أما الوحدانية والأزلية القديمة فلأن الشركة والحدوث يقتضيان عدم خضوع الجميع له بل خضوعه لغيره في الجملة، وأما الربوبية فلأن مالكية الجميع وإيجادهم وتربيتهم من حد النقص إلى حد الكمال اللائق بالكل وضع كل في مرتبته ويقتضي خضوع الكل له (ودانوا الدوام أبديته) أي تعبدوا بأحكامه وشرائعه وآدابه وأوامره ونواهيه لدوام أبديته الباعث على العبادة له الموجب لاستحقاقه لها لأن غير الدائم الأبدي لا يستحق العبادة ولا يقدر على الوفاء بما وعد به بعد الفناء.
(وارتضاه لخلقه): أي اختاره لهم لأنه نور يهديهم إلى منافعهم الدنيوية والأخروية نقول رضيت الشيء ورضيت به وارتضيته إذا اخترته (وانتدبه لعظيم أمره) الظاهر أن اللام بمعنى إلى تقول ندبته إلى الأمر ندبا من باب قتل وانتدبته إليه إذا دعوته فانتدب يستعمل لازما ومتعديا، ولعل المراد بالأمر العظيم المندوب إليه تبليغ الرسالة والصبر على أذى الأمة أو الأعم منهما ومن تحمل الصبر على الإتيان بالعبادات (ولضياء معالم دينه) ضياء «روشنى» وهو اسم من أضاء القمر إضاءة: أنار وأشرق، والمراد بمعالم الدين: مواضع علومه وهي القوانين الشرعية الجارية إلى يوم القيامة المضيئة في قلوب أهل العلم (ومناهج سبيله) الإضافة بيانية، والمناهج: جمع منهج وهو طريقته الواضحة المؤدية للسالكين بأيسر سعى إلى رضوانه (ومفتاح وحيه) لعل التركيب من قبيل لجين الماء أي دعاه إلى وحيه الذي كالمفتاح في فتح أبواب العلوم الربانية والأسرار الإلهية وسببا لباب رحمته السبب في الأصل: الحبل: وهو ما يتوسل به للاستعلاء ثم استعير لكل شيء يتوسل به إلى أمر من الأمور وهو (صلى الله عليه وآله) سبب يتوسل به للوصول إلى رحمته تعالى والظاهر أن