على خلاف ذلك كان أحسن، وهذا معنى الإحكام والإتقان وهما بمعنى واحد، وتدبير الشيء:
فعله عن فكر ورؤية ونظر إلى دبره وهو عاقبته وآخره، والمراد به هنا تعلق العلم بصلاح آخره كتعلقه بصلاح أوله من غير روية وفكر.
(إنه كان خبيرا بصيرا): أي كان عليما بالأشياء ظواهرها وبواطنها وحقايقها ولوازمها وعوارضها، من خبرت الشيء من باب قتل خبرا، علمته، ومن خبرت الأرض: شققتها للزراعة، فأنا خبير وبصير بالمبصرات بنفس الذات وفي ذكر البصير بعد الخبير الذي هو العالم المطلق رد على من زعم أنه ليس بعالم بالجزئيات لأن المبصرات كلها جزئيات، (هو الدائم بلا فناء) لأن الفناء من صفات الكائنات الحادثة الفاسدة الهالكة في حد ذاتها وفيه سلب لحمل دوامه عليه على المعنى العرفي وهو الزمان الطويل (والباقي إلى غير منتهاء): أي من غير انتهاء لذاته فلا يتصف ذاته بحد ونهاية لأنهما عن لوازم المقدار وهو منزه عنها أو من غير انتهاء لوجوده لأنه واجب الوجود لذاته فيستحيل أن يلحقه العدم وينتهي وجوده إلى حد وينقطع عند غاية (يعلم ما في الأرض وما في السماء وما بينهما وما تحت الثرى) يعلم كله وكل جزء من الأجزاء علما محيطا بظواهره وبواطنه وجلياته وخفياته على السواء (أحمده بخالص حمده المخزون بما حمده الملائكة والنبيون حمدا لا يحصى له عدد ولا يتقدمه أحد ولا يأتي بمثله أحد) طلب (عليه السلام) لكونه كاملا أن يكون حمده كاملا من وجوه، الأول: وهو الأصل في جميع العبادات، أن يكون خالصا من النقص والسمعة والرياء، الثاني: أن يكون مخزونا لا يعلم قدره ووصفه وكماله إلا الله تعالى، الثالث: أن يكون كاملا بكمال المحمود به وتعدده وهو ما حمده به الملائكة المقربون والنبيون، الرابع: أن يكون متكثرا غير محصور ولا معدود لا يبلغه أوهام الحاسبين، الخامس: أن يكون في كمال ذاته وخصوص صفائه بحيث لا يتقدمه أحد ولا يأتي بمثله أحد، واختلفوا في أن الحامد بالحمد الإجمالي على هذا الوجه هل يثاب بثواب ما تمناه أو بثواب ما فوق الواحد أو بثواب حمد واحد، فذهب إلى كل فريق والأخير بعيد لظهور الفرق بينه وبين الواحد والثاني قوى للفرق بين الإجمال والتفصيل، والأول أقوى إذ لا نقص في كرمه تعالى (أو من به وأتوكل عليه) ايمانا كاملا وتوكلا صادقا وهو تفويض الأمور كلها عليه والثقة به وقد ذكرنا حقيقة التوكل ومبدأه وفوائده في شرح كتاب العقل.
(واستهديه وأستكفيه) أي أطلب منه الهداية الخاصة إلى الخيرات والكفاية في المهمات (وأستقضيه بخير وأسترضيه) في كنز اللغة استقضاء «قاضي وحاكم كردن واخذ كردن حق» يقال استقضيته حقي أي أخذته واسترضاء «خشنودي خواستن» والمعنى أطلب منه أن يكون قاضيا حاكما لي بخير أو أطلب أخذ الخير منه وأن يكون راضيا عني وفيه تنبيه على أن هذه الأمور غاية المقاصد للإنسان الكامل وهو محتاج إلى طلبها لئلا يضل في الخاتمة ولا يذل في العاقبة فكيف غيره.
(وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) قيل هاتان