عملا صالحا وفيه حث على رفض الدنيا وفضول الدنيا وفضول زهراتها وما يلهيهم عن تحصيل دار الآخرة وأخذ ما ينبغي أحذه بها لئلا يقعوا في حسرة وندامة لا تنفع.
(جد بهم فجدوا) الجد بالكسر: الاجتهاد في الأمر وضد الهزل وفعله من بابي ضرب وقتل أي جد المضي والذهاب من الدنيا بهم فجدوا فيهما اضطرارا (وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا) أي مالوا إلى الدنيا واعتمدوا عليها فما استعدوا لأمر الآخرة لأن الدنيا والآخرة لا يجتمعان وركن من أبواب علم وقعد ومنع، والثاني: غير فصيح، والثالث: من باب تداخل اللغتين لأن شرطه أن يكون العين أو اللام حرف حلق (حتى إذا أخذ بكظمهم) أي بحلقهم ومخرج نفسهم والجمع كظام وهو كناية عن موتهم (وخلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم) الخلوص الصفاء ويستعار للوصول وفي كنز اللغة: «خلوص بكسى رسيدن وبچيزى پيوستن» والمراد بالأقلام: أقلام كرام الكاتبين، والإضاقة لأدنى ملابسة وجفافها كناية عن انقطاع عملهم، ويحتمل أن يكون جفاف أقلامهم كناية عن جريان ما كتب في اللوح المحفوظ من مقادير أحوالهم الخيرية والشرية عليهم تمثيلا للفراغ منها بفراغ الكاتب من كتابته ويبس قلمه (لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر) لعل المراد بالخير خبر أسمائهم وأفعالهم وصفاتهم وبالأثر أثر مساكنهم وأموالهم وقبورهم، وقيد بالأكثر لبقاء خبر بعضهم وأثر بعد في الجملة (قل في الدنيا لبثهم وعجل إلى الآخرة بعثهم) أي إرسالهم إليها بالموت وهذا في اللفظ خبر وفي المعنى أمر بالإعراض عن متاع الدنيا والإقبال إلى متاع الآخرة لأن هذه الحالة جارية في جميع الخلق كما أشار إليه بقوله (فأصبحتم حلولا في ديارهم ظاعنين على آثارهم) الإصباح: الدخول في الصباح وبمعنى الصيرورة أيضا، والحلول: جمع الحال كالقعود جمع القاعد، والديار: جمع الدار والمراد بها الدنيا أو مساكنهم ومنازلهم، والظعن: الارتحال والظاعن المرتحل وفي جعل ظاعنين حالا عن فاعل أصبحتم دلالة على اتحاد زمان الحلول والارتحال مبالغة وفيه تحريك للنفوس العاقلة إلى الاستعداد للارتحال وتجهيز سفر الآخرة (والمطايا بكم يسير سيرا) المطايا: جمع المطية وهي دابة تمطو في سيرها أي تجد وتسرع؟
ولعل المراد بها الليل والنهار أو الاعمار على سبيل الاستعارة، والسير يجيء لازما ومتعديا يقال سار البعير وسرته والباء متعلق به إما للتعدية أو للمبالغة فيها كتأكيد السير بالمصدر للمبالغة فيه وأفادة شدته كما أشار إليه بقوله (ما فيه أين ولا تفتير)، الأين: الإعياء وهو لازم ومتعد يقال: أعياني كذا بالألف اتعبني فأعييت والفتور لازم والتفتير متعد يقال فتر فتورا من باب قعدا إذا انكسر بعد حدة ولان بعد شدة وفتره تفتيرا كسره بعدهما وفيه تنبيه للنازلين في الدنيا على لزوم خروجهم منها سريعا لأن قلة المسافة وسرعة المركوب في السير مع انتفاء الإعياء والتفتير يستلزم قطع تلك المسافة في أقرب أوقات الإمكان، ولا تظن أيها الغافل أنك مقيم فإن من كانت مطية الليل والنهار فهو ساير وإن كان واقفا وقاطع للمسافة، وإن كان مقيما كما يجد ذلك راكب السفينة وقد أشار إلى