طوبي لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد به على أهل المسكنة، طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره، طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وأمسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل.
* الشرح:
قوله: (مالي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس، هذا حال أكثر كل عصر لغموض أمر الآخرة وخفاء أحوالها مع اغماضهم عين البصيرة عنها وظهور أمر الدنيا ونعيمها، مع ميل طبايعهم إليها وضعف عقولهم عن ادراك قبايحها وكشف مفاسدها، فصار ذلك سببا لحب الدنيا وترك الآخرة (حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب)، لكون حالهم شبيهة بحال من يظن ذلك، وفيه تنبيه على أن تذكر الموت الباعث على فراق الدنيا والورود في الآخرة موجب لهوان الدنيا وما فيها ولذلك ورد في روايات كثيرة الحث على تذكره (وكان الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب) الظاهر أن المراد بالحق: حق الله تعالى وآدابه وأحكامه الدينية المتعلقة بكيفية العلم والعمل وتخصيصه بالموت بعيد (وحتى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم)، السماع بالنسبة إلى من مات من السابقين والغائبين والرؤية بالنسبة إلى من مات من الحاضرين وفيه توبيخ بترك العبرة بحالهم حيث كانوا في الدنيا فماتوا وتركوا ما في أيديهم اضطرارا وسكنوا قبورهم معذبين بعذاب أليم إلا من أتى الله بقلب سليم.
(سبيلهم سبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون) سفر الرجل سفرا من باب طلب: خرج للارتحال فهو مسافر، والجمع سفر، مثل راكب وركب وصاحب وصحب، وفيه تنبيه على سرعة زوال العمر ورجوع الباقين إلى الماضين وترغيب في العمل لما بعد الموت وترك حب الدنيا وزهراتها المانعة عن الاستعداد لما ينفع بعده (بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم فيظنون أنهم مخلدون بعدهم هيهات هيهات) أي بعد هذا الظن عن الصواب والتكرير للمبالغة، والجدث القبر والجمع أجداث مثل سبب وأسباب وفيه تنفير عن الدنيا وتزيين البيوت فيها لأن من علم أنه يسكن هذا البيت الضيق المظلم وهو القبر في زمان طويل لا يعلم طوله إلا الله يسهل عليه ترك الدنيا الفانية بحذافيرها فضلا عن بيت وصرف العمر في تحصيل ما يحتاج إليه البيت (أما يتعظ آخرهم بأولهم) فليقدر الآخر نفسه كالأول في أنه سكن الدنيا لحظة وارتحل إلى الآخرة دفعة (ونسوا كل واعظ في كتاب الله تعالى) واعظ بليغ يعظهم بفناء الدنيا وخساسة متاعها واهلاكها السابقين بالركون إليها، ويدعوهم إلى التذكر للموت والعمل لما بعده وغير ذلك من المنفرات عن الدنيا والمرغبات للآخرة (وآمنوا شر كل عاقبة سوء) لاحقه بهم في الدنيا للركون إليها وفي الآخرة بالإعراض عنها وترك العمل لها، وفيه ترغيب في الأعمال