عز وجل واحذروا النكت فإنه إذا أراد بعبد خيرا نكت إيمانا وإذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك ، قال: قلت: ما غير ذلك جعلت فداك] ما هو [؟ قال: إذا أراد كفرا نكت كفرا.
* الشرح:
قوله: (ارعوا قلوبهم بذكر الله عز وجل) أمر بمراعاة أحوال القلوب وحفظها بذكر الله تعالى عن السهو والغفلة فإن في غفلتها مفاسد ولذلك قال: (واحذروا النكت) أصل النكت أن يضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها، والمراد به دخول شيء من المفاسد فيه كالكفر ونحوه فيتأثر به ومنه النكتة وهو النقطة وشبه الوسخ (فإنه يأتي على القلب تارات الخ) جمع تارة: وهي الحين والمرة، والمراد بها ساعة الغفلة عن ذكره تعالى والاشتغال بما سواه ليس فيه إيمان ولا كفر، دل على أن الكفر وجودي وهو الانكار إذ لو كان عدميا كما قيل وهو عدم الايمان لما انتفيا معا (شبه الخرقة البالية أو العظم النخر) النخر: ككتف، والناخر: البالي المتفتت، وفيه تشبيه معقول بمحسوس لقصد الإيضاح والتشويه والوجه هو الكثافة والرثاتة (فإنه إذا أراد بعبد خيرا نكت ايمانا وإذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك) لعل المراد بالخير اللطف والتوفيق وهو فعل صادر منه تعالى تابع لعلمه بحسن استعداد العبد لقبوله وبقاء فطرته الأصلية على نحو من الكمال، ويظهر منه حال قرينه فلا يرد أنه تعالى أراد خير كل العبد لأن المراد بهذا الخير أعمالهم الصالحة وفيه توجيه آخر ذكرناه في شرح الأصول.
(قال: قلت: وما غير ذلك جعلت فداك ما هو؟ قال: إذا أراد كفرا نكت كفرا) إن قلت: هل فيه دلالة على أن الإيمان والكفر من فعله تعالى كما هو مذهب الأشاعرة أم لا؟ قلت: لا، لأن هذا القلب الغافل لا محالة، إما أن يعود إلى الإيمان باختياره أو إلى الكفر باختياره، فإن عاد إلى الأول كان في علمه السابق الأزلي إيمانه، وإن عاد إلى الثاني كان فيه كفره فأراد عز وجل إيمانه أو كفره بالعرض ليطابق علمه بمعلوم إلا أن بين الإيمان والكفر فرقا وهو أنه تعالى أراد إيمانه بالذات أيضا دون كفره ولما كان صدورهما من هذا الغافل بإرادته تعالى بالعرض نسب نكتهما إليه بهذا الاعتبار وهو لا يستلزم صدورهما منه تعالى، وهذا هو المراد من قول أبي عبد الله (عليه السلام) في آخر حديث طويل «علم أنهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم» وليست إرادة حتم إنما هي إرادة اختيار وإن أردت زيادة توضيح فارجع إلى ما ذكرنا في شرح أحاديث باب الاستطاعة من كتاب التوحيد، ولنا توجيه آخر ذكرناه في باب سهو القلب من كتاب الإيمان والكفر، وحاصله أنه سبحانه وكل على القلب ملكا يهديه ويرشده إلى الخير وشيطانا يضله ويرشده إلى الشر كما دلت عليه الروايات المعتبرة المذكورة في كتاب المذكور فإن تابع الأول يعود إلى الإيمان وإن تابع الثاني يعود إلى الكفر وبهذا الاعتبار كانت تلك النكتة منه تعالى والله أعلم.