السر ولو وقع الاختلاف كان ذلك خيانة ونفاقا.
ثم أشار إلى ما هو المقصود من هذا الإجمال على الترتيب بقوله: (واطو قلبك ولسانك عن المحارم وكف بصرك عما لا خير فيه) حيث أمر باستقامة هذه الجوارح وحفظها عن المحارم في جميع الأحوال وهذا إنما يتحقق لمن طاب خلقه وطهرت سجيته وصلحت سريرته وحسنت علانيته.
ولما كان أكثر ورود الشهوات إلى النفس من جهة النظر وطريق الإبصار بالغ في كف البصر عن النظر إلى ما لا ينبغي وذكر بعض مفاسده تحذيرا عنه بقوله: (فكم من ناظر نظرة) واحدة (قد زرعت) أي أنبتت وأنمت يقال زرع الله الحرث إذا أنبته وأنما (في قلبه شهوة) هي اشتياق النفس إلى الشيء وذلك الشيء شهي مثل لذيذ وزنا ومعنى، وفيه استعارة تمثيلية متضمنة لتشبيه الأجزاء بالأجزاء حيث شبه الشهوة بالبذر والقلب بالأرض والنظرة بالزراع.
(ووردت به موارد حياض الهلكة) عطف على زرعت صفة أخرى للنظرة تابعة للأولى لأن الزارع يحتاج إلى ماء يسقى به زرعه وضمير به راجع إلى الناظر موافق للسابق أو إلى قلبه والموارد جميع مورد وهو موضع الورود على الماء وبلوغه والحياض بالكسر جمع حوض والمراد به هنا مجتمع الماء الكثير لسقي الزرع ونحوه، والهلكة محركة: الهلاك، والإضافة الأولى لامية، والثانية من باب لجين الماء، وجعلها لامية وحمل الهلكة على أنها جمع هالك وإرادة المعاصي والذنوب من الحياض على سبيل الاستعارة محتمل بعيد.
(يا عيسى كن رحيما مترحما) على الخلق، والترحم أخص من الرحمة لدلالته على الزيادة فيها أو على صيرورتها ملكة مع احتمال المباينة بحمله على إظهار الرحمة (وكن كما تشاء أن يكون العباد لك) فارض لهم ما ترضى لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك واصنع لهم ما تريد أن يصنعوا لك من التواضع والإحسان والرفق والتعظيم والتوقير، وهذا هو الإنصاف والعدل (وأكثر ذكرك الموت) فإن ذكره يسهل ترك الدنيا وزهراتها ويبعث النفس على طلب الآخرة وما يفضي إلى أعلى درجاتها، وفي الخبر أنه «خرج النبي (صلى الله عليه وآله) فرأى الناس كأنهم يكشرون] الكشر الضحك السهل [قال:
أما أنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هادم اللذات» (ومفارقة الأهلين) ليسهل مفارقتهم بالاضطرار ولئلا يشغلوك عن الله وأمر الآخرة (ولا تله فإن اللهو يفسد صاحبه) ظاهره وباطنه. لهى عنه كرضى: غفل وترك ذكره، واللهو هنا إما مصدر يعني «بازى كردن وغافل شدن ومشغول شدن بباطل وبهر چه از كار خير باز دارد» أو غير مصدر يعني «بازى وباطل وچيزى كه از كار خير باز دارد» كذا في كنز اللغة.
(ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد) نهاه عن الغفلة عنه تعالى أو عن الشرع وأحكامه وما يقتضيه من الأعمال أو عن اغترار الدنيا ومكائد النفس والشيطان أو عن الجميع، وعلله تحذيرا عنه بأنه يوجب البعد منه تعالى وهو عند العارف أشد العذاب