تطهيرها عن هذه الصفات الرذيلة وتزيينها بالأخلاق الجميلة لأن القلب أشرف أعضاء الإنسان وعرش الرحمن وموضع نوره وسره ومعدن حكمه وذكره وقد أمر سبحانه بذلك فمن بدله بما ذكر فهو مغرور جرى كما أشار إليه بقوله: (أبى تغترون أم على تجترون؟) الاغترار «خدعة كردن وفريب دادن ونمودن باطل را بصورت حق» والاجتراء «دليرى كردن» فكأنه بهذه الصفة إما مخادع أو جرى محارب مع ربه، وفيه وعيد عظيم لهم ليذكروا ويرجعوا.
(تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة) توبيخ لهم في إزالة نتن أدناس الظواهر بالطيب والعطر للناس وترك إزالة نتن أمراض القلوب بأدويتها لله مع أنه أقرب إليها منهم إلى الظواهر وما ذلك إلا لتعظيمهم وتحقيره تعالى كأنكم أقوام ميتون في النتن أو بعدم الانتفاع بالزواجر والنصايح.
(يا عيسى قل لهم قلموا أظفاركم من كسب الحرام) قلمت الظفر قلما من باب ضرب: قطعته وأخذته، وقلمته بالتشديد مبالغة وتكثير في الاجتناب عن كسب الحرام والاحتراز منه لأنه يسود القلب ويبعد عن الرب ويورث العقوبة في الدنيا والآخرة.
(وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا) زجرهم عن استماع الكلام الفاحش لكونه معصية ومانعة عن ذكر الله ومسودا للقلب مفسدا له، قال الله تعالى في التنزيل في وصف قوم صالحين: (وإذا مروا باللغوا مروا كراما * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
(وأقبلوا علي بقلوبكم) لكل عضو إقبال وادبار إقباله هو الإتيان بما هو مطلوب منه، وادباره هو الإتيان بضده، وإنما خص إقبال القلب بالطلب لأن القلب أشرف الأعضاء وأكمل، فإقباله وهو تذكر الرب وعدم الغفلة عنه أشرف وأفضل لأن إقباله مسلتزم لإقبال غيره من الأعضاء.
(فإني لست أريد ضرركم) ترغيب في قبول النصيحة لأن المنصوح إذا علم شفقة الناصح وبعد نصحه عن الغش والضرر يقبل على قبوله.
(يا عيسى افرح بالحسنة فإنها إلي رضا) دل على أن الفرح والسرور بالحسنة من حيث أنها حسنة موافقة لرضاه تعالى ليس بعجب بل هو أيضا حسنة ولذلك أمر به وإنما العجب أن يسر بها من حيث أنه عمل بلغ به حد الكمال وخرج عن حد التقصير وفاق العابدين بالمنزلة الرفيعة عنده تعالى.
(وابك على السيئة فإنها شين) البكاء على السيئة حسنة رافعة لها وهو أفضل العبادات للمذنبين، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك، هذا من لوازم العدل والإنصاف وحسن المخالطة والمعاملة مع الناس وبه يتم نظام العالم ويرتفع الجور في بني آدم.
(وإن لطم خدك الأيمن فاعطه الأيسر) لا تعامله بالانتقام إذ يتولد منه المفاسد العظام، وهذا من آثار ملكة الحلم والعفو (وتقرب إلي بالمودة جهدك) أي بمودتي أو مودة الخلق من أهلها، ففيه على الثاني ترغيب في حسن المعاشرة، وعلى الأول في الترقي إلى مقام محبة الرب، والوصول إليه متوقف على مراقبة النفس