(فارحم الضعيف كرحمتي إياك) أريد بالضعيف الضعيف بحسب الحال أو المال أو العقل، وبرحمته إيصال أنواع الخير بقدر الإمكان.
(ولا تقهر اليتيم) قهره كمنعه: غلبه، أي لا تغلب اليتيم على حقه وماله لضعف حاله.
(يا عيسى ابك على نفسك في الخلوات) أمر بالبكاء على النفس لموتها بألم الفراق والمعاصي واستحقاق العقاب، والبكاء عليها يوجب حياتها بالقرب وغفران الذنوب واستحقاق الثواب وإنما ذكر الخلوات لأن البكاء فيها من الخلوص أكمل وأقرب وتوجه الذهن إلى معرفة حالات النفس فيها أسهل وأنسب (وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات) ميقاتها الوقت: المضروب لها أو الوضع المعد لها كالمسجد ونحوه (أسمعني لذاذة نطقك بذكري) نطقك مفعول الإسماع حقيقة وإدراج اللذاذة للتنبيه على أن ذكره لذيذ يلتذ بسماعه فلا يرد أن اللذاذة ليست بمسموعة وهذا من باب التمثيل أو اللذاذة به كناية عن إرادته (فإن صنيعي إليك حسن) علة للنقل والإسماع لأن حسن الصنيعة يقتضي مقابلته بحسن الطاعة والعبودية والشكر والذكر وذلك من توابع خلوص المحبة.
(يا عيسى كم من أمة قد أهلكتها بسالفة ذنوب قد عصمتك منها) أمنه على عدم هلاكه بعصمته من الذنوب كما خوفه بذكر الإهلاك بسببها، وكم خبرية لإفادة كثرة الأمة المهلكة وقد ذكر في القرآن الكريم جملة منهم.
(يا عيسى ارفق بالضعيف) الرفق: التسهيل وهو ضد العنف والتشديد والتصعيف والغلظة والجفاوة في الأقوال والأفعال وغيرهما.
(وارفع طرفك الكليل إلى السماء) وصف الطرف بالكليل للتنبيه على أن رفعه ينبغي أن يكون كذلك لا على الحدة والتحديق، أو للإشارة إلى ضعفه الموجب للترحم وإنما أمره برفعه إلى السماء لأنها أشرف الجهات لجريان فيضه تعالى من جهتها عادة (وادعني فإني منك قريب) حث بذكر القرب على الدعاء فإن الداعي إذا علم أن المدعو قريب يسمع نداءه يبالغ في الدعاء.
(ولا تدعني إلا متضرعا إلي) التضرع لا يتحقق إلا بحضور القلب والتوجه إلى الله تعالى والانقطاع عن الغير وهو روح العبادة، به يرتقي إلى درجة القبول ومحل الاعتبار.
(وهمك هما واحدا) الهم: الحزن والقصد وما قصدته أيضا والظاهر أنه عطف على «متضرعا» وأن «هما» منصوب على المفعولية وأن المراد بالهم الواحد هو الله تعالى بتفريغ القلب عن الغير وصرفه إليه وإلى ذكره.
(فإنك متى تدعني كذلك أجبك) هذه قضية كلية دالة على أن الدعاء مع شرائطه مقبول وأما بدونها فقد يقبل وقد لا يقبل.
(يا عيسى اني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ولا عقابا لمن انتقمت منه) إشارة إلى حقارة الدنيا والتنفير عنها حيث إنها ليست ثوابا للمطيع ولا عقابا للعاصي بل هي دار الامتحان والنماء ودار التكليف والفناء وإنما الثواب والعقاب في الآخرة التي هي دار البقاء (يا عيسى إنك تفنى وأنا أبقى) الخطاب لهذا المجموع المركب من الهيكل المخصوص والنفس الناطقة وهو