الإلهية وأتقنها وأمنعها عن الزوال والفساد بالتذكر والتفكر والتعليم والعمل بمقتضاها.
(يا عيسى كن راغبا راهبا) أمره بالخوف والرجاء إذ بالخوف يترك موجبات البعد، وبالرجاء يطلب موجبات القرب، وإن شئت زيادة تفصيل فيهما فارجع إلى ما ذكرناه في باب الخوف والرجاء من كتاب الأصول.
(وأمت قلبك بالخشية) إنما جعل الخشية موت النفس لأنها توجب ذبولها وهو موتها وموت الجسد أيضا وإنما أمر بهذه الإماتة لأنها مع كونها مطلوبة لتطويع النفس الأمارة وحفظها عن المهلكات مستلزمة لمطلوب آخر وهو إحياؤها بالعلوم والفضائل النفسانية والجسمانية وهي حياة أبدية ومنه يظهر سر «موتوا قبل أن تموتوا» وسر «موتكم في حياتكم وحياتكم في موتكم» هذا أيضا أحد الوجوه في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».
(يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي) رعاية الليل حفظ ساعاته للقيام بوظائف طاعاته وإنما خص الليل بالذكر مع أن الطاعات مطلوبة في جميع الأوقات لأن الشغل في الليل أقل والقلب فيه أفرغ والعبادة فيه أخلص (واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي) أمر من ظمأ مهموز اللام كفرح إذا عطش، نهارك مفعول فيه وهو كناية عن الصوم، لا من أظمأه غيره ونهارك مفعول به والتعلق مجاز عقلي، فإنه بعيد.
(يا عيسى نافس في الخير جهدك تعرف بالخير حيث ما توجهت) الخير اسم جامع لكل ما هو مطلوب شرعا وقد أمره به على سبيل المنافسة والمغالبة بقدر الطاقة والإمكان وأشار إلى أن غايته المترتبة عليه غير الثواب الأخروي معرفة الخلق إياه به وذلك من فضل الله عليه ليذكروه به ويتأسوا به كما دل عليه بعض الروايات ولا دلالة فيه على جواز قصد ذلك من عمل الخير أن الظاهر جوازه لا للسمعة والرياء بل لما ذكر أو لإرادة ظهور نعمته تعالى وفعل الخير والتوفيق عليه من أجل نعمائه ولذلك قال خليل الرحمن (واجعل لي لسان صدق في الآخرين).
(يا عيسى احكم في عبادي بنصحي) أي ينصح لي، من باب الحذف والإيصال، والنصح:
الخلوص، ولعل المراد به نصيحتهم لوجه الله وأمرهم بما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة وهذا الحكم أفضل الأعمال، قال أبو عبد الله (عليه السلام): عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه وقم فيهم بعدلي لدفع الظلم والجور بينهم وبهذا الحكم والقيام يتم نظامهم في الدارين فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان لأن مرض الشيطان ووسواسه في صدور المؤمنين إما في أمر الدنيا أو في أمر المبدأ والمعاد وأمر الآخرة وقد أنزل الله تعالى عليه من العلوم الدينية والقوانين الشرعية والأسرار الحكمية والمواعظ الربانية والنصايح الإلهية ما يعالج به جميع ذلك.
(يا عيسى لا تكن جليسا لكل مفتون بالدنيا) أو المعصية لئلا تتشبه بهم ومن تشبه بقوم فهو منهم