الاسم الأعظم، وإحياؤه الموتى مذكور في الكتاب والسنة والسير، وقد روي من طرق الخاصة والعامة أنه كان ابن ميت لعجوزة فأحياه وبقي مدة وولد له ثم مات، وإنما ذكر هذه النعم لأنها من جلايل نعم الله تعالى عليه وهي تقتضي دوام الشكر والذكر وعدم الغفلة عنه ساعة.
(فكن إلي راغبا ومني راهبا) الفاء للتفريع، وتقديم الظرف للحصر لأن وجوده وحوائجه وجميع كمالاته وتربيته من الابتداء إلى الانتهاء إذا كان منه تعالى وجب أن تكون رغبته في جميع المقاصد ورهبته من العقوبة وفوات شيء من مقاصده إليه تعالى لا إلى غيره.
وإلى ما ذكرنا أشار بقوله (ولن تجد مني ملجأ إلا إلي) لجلب المنافع ودفع المضار، وإذا كان كذلك وجب صرف الرغبة والرهبة إليه لا إلى غيره.
(يا عيسى أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة) التحنن التلطف والرأفة والإشفاق وفي كنز اللغة: «تحنن مهرباني كردن» وفيه تنبيه على أن تلك الوصية نصيحة خالصة وتحريض على قبولها لأن العاقل لا يترك نصح الناصح الأمين.
ثم أشار إلى غاية الوصية وأقصى مراتب التحنن والرحمة وأعلاها بقوله (حتى حقت) أي ثبتت (لك مني الولاية) أي ولايتي لك أو ولايتك لي وهي بالفتح والكسر: المحبة والنصرة، أو ولايتك في الناس وهي النصرة والإمارة والسلطنة، وفي لفظ «مني» إشعار بأن ثبوت الولاية له من عونه تعالى وتوفيقه.
(بتحريك مني المسرة) الباء للسببية، والتحري: طلب أحرى الأمرين وأولاهما، وإضافته إلى الكاف إضافة المصدر إلى الفاعل، والمسرة مفعوله وهي اسم لكل ما يوجب السرور، والجمع المسارة، يعني ثبوت الولاية لك بسبب طلبك ما يوجب سروري أو سرورك وهو الموصى به وغيره، وفي لفظ «مني» إشعار بما ذكرناه، وفي بعض النسخ «تنجز لك» فاعل «تنجز» ضمير راجع إلى الولاية، والمفعول بحاله يعني أن الولاية ينجز لك من عوني أو من لدني ما يوجب سرورك وهو القرب والسعادة والجنة ونعيمها الباقية والله أعلم.
(فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيثما كنت) أي جعلت مباركا ميمونا سببا لزيادة الخير والبركة نفاعا معلما للخير بعد البلوغ وقبله حيثما كنت من الأماكن الحسية والعقلية والمراتب الروحانية كما قال عز وجل حكاية عنه في التنزيل (وجعلني مباركا أينما كنت).
(أشهد أنك عبدي ابن أمتي أنزلني من نفسك كهمك) النزول من علو إلى الأسفل ويتعدى بالهمزة يقال أنزلته فنزل وأنزلت الضيف فهو نزيل، والنزل بضمتين ما يهيأ للضيف، و «من» بمعنى في، والهم المراد والمقصود، قال ابن فارس: الهم ما هممت به وأردته، والكلام من باب التمثيل والتشبيه أي اجعلني في نفسك ومرادك ومقصودك واجعل لي نزلا وهو القيام بوظائف الطاعات في جميع الحالات. وفي قوله «أشهد» أمر له باليقين وفي قوله «عبدي وابن أمتي» ترغيب له في الإتيان بحق العبودية والخضوع والابتهال بين يديه تعالى.
(واجعل ذكري لمعادك) أمره بجعل ذكره تعالى قلبا ولسانا خالصا لوجهه لتنفعه بعد العود إليه (وتقرب إلي بالنوافل) قد يتقرب