الريب كن فيها زاهدا ولا ترغب فيها فتعطب.
يا عيسى اعقل وتفكر وانظر في نواحي الأرض كيف كان عاقبة الظالمين. يا عيسى كل وصفي لك نصيحة وكل قولي لك حق وأنا الحق المبين، فحقا أقول: لئن أنت عصيتني بعد أن أنبأتك، مالك من دوني من ولي ولا نصير.
يا عيسى أذل قلبك بالخشية وانظر إلى من هو أسفل منك ولا تنظر إلى من هو فوقك واعلم أن رأس كل خطيئة وذنب هو حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أحبها.
يا عيسى أطب لي قلبك وأكثر ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي، كن في ذلك حيا ولا تكن ميتا.
يا عيسى لا تشرك بي شيئا وكن مني على حذر ولا تغتر بالصحة وتغبط نفسك فإن الدنيا كفيء زائل وما أقبل منها كما أدبر، فنافس في الصالحات جهدك وكن مع الحق حيثما كان وإن قطعت وأحرقت بالنار، فلا تكفر بي بعد المعرفة فلا تكونن من الجاهلين، فإن الشيء يكون مع الشيء.
يا عيسى صب لي الدموع من عينيك واخشع لي بقلبك.
يا عيسى استغث بي في حالات الشدة فإني أغيث المكروبين وأجيب المضطرين وأنا أرحم الراحمين.
* الشرح:
(حديث عيسى بن مريم عليهما السلام) ذكر فيه من فضائل الأخلاق وجلائل الأوصاف وشرائف الصفات ولطايف الحالات ما يعجز عن ذكر وصفه الواصفون وعن إدراك كنهه العارفون (قال فيما وعظ الله تعالى به عيسى (عليه السلام)) أي أوصاه به وأمره بحفظه، والوعظ تذكير مشتمل على زجر وتخويف وحمل على طاعة الله تعالى بلفظ يرق له القلب (يا عيسى أنا ربك ورب آبائك) الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء من حد النقص إلى حد الكمال على سبيل التدريج، ثم أطلق على المالك والسيد وهو منكرا بلا إضافة مختص بالواجب، وكذا المعرف باللام إذا كان بمعنى المالك لأن اللام للعموم، والمخلوق لا يملك جميع المخلوقات. وقدم هذا الوصف لدلالته على أفضل النعماء وهو الإيجاد والتربية وفيه ترغيب على أداء حقوق الربوبية.
(اسمى واحد) إذ لا تركيب فيه أصلا لا ذاتا ولا صفة، وكل ما سواه وإن كان بسيطا فهو مركب إما بحسب الصفات ومن ثم قيل لا وحدة في عالم الإمكان.
(وأنا الأحد) إذ لا شريك له في ذاته وصفاته والوجوب والقدم وغيرها.
(المتفرد بخلق كل شيء) إذ لا شريك له في فعله. ويستثنى منه ذاته تعالى وأفعال العباد، وفيه رد على من زعم أنه واحد لا يصدر عنه إلا واحد وأن خلق البواقي