إلى الأولياء بدليل ما بعده، وفيه حينئذ شكاية من قلة أنصار الإمام حتى صار مقهورا للأعادي مستورا عن الخلق.
قوله (أولئك الأقلون عددا والأعظمون عند الله جل ذكره قدرا) أولئك إشارة إلى الأولياء وقلتهم ظاهرة فإنهم بمنزلة شعرة بيضاء في فرس أسود وكذا عظمة قدرهم ومنزلتهم إذ هم عباد الله جل ذكره ومنقادون له في الأوامر والنواهي وحافظون لدينه ولهم درجة الهداية والشفاعة وقد نقل عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إذا اجتمع الخلق على الصراط قيل للعالم: قم ههنا فاشفع لمن أحببت فإنك لا تشفع لأحد إلا شفعت مقام الأنبياء، والأخبار الواردة في رفعة شأنهم كثيرة.
قوله (المتبعون لقادة الدين الأئمة الهادين) الأئمة بدل أو بيان للقادة ولعل المراد بالمتابعة لهم المتابعة في معرفة أصل الدين وهو جميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) إذ هم القادة والهداة إليه وبالمتأدب بآدابهم المتخلق بأخلاقهم الفاضلة حتى يحصل بذلك المناسبة الروحانية وبسلوك طريقهم العمل بكل ما عملوه وترك كل ما تركوه، ويحتمل أن يراد بالتأدب التخلق بمثل أخلاقهم والعمل بمثل أعمالهم وبنهج منهجهم إبانة طريقتهم وإيضاحها بالتعليم والإرشاد.
قوله (وينهجون نهجهم) النهج والمنهج الطريق الواضح، يقال: نهجت الطريق أي سلكته، ويقال أيضا: نهجت الطريق أي أبنته وأوضحته، ويجوز إرادة كلا المعنيين هنا كما أشرنا إليه.
قوله (فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الإيمان) وذلك إشارة إلى الاتباع لقادة الدين وما بعده، والهجوم على القوم الدخول عليهم بغتة، والباء في «بهم» للتعدية «والعلم» فاعل «يهجم» والمراد به العلم اللدني الفائض، وعلى متعلق بيهجم، والحقيقة الشيء الذي له ثبات ووجود في نفس الأمر كقوله (صلى الله عليه وآله): إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ أي ما الذي ينبئ عن كون ما تدعيه حقا؟ ولها معان اخر، وإضافتها إلى الإيمان لأدنى ملابسة باعتبار أن الإيمان الكامل مقتض لحصولها للمؤمن، والمعنى أن ذلك الاتباع إلى آخره يدخلهم العلم اللدني ويطلعهم على حقائق الإيمان الكامل الذي يقتضي حصولها وهي حقائق الأشياء ويكشف لهم حجبها حتى يعرفوها بعين اليقين على ما هي عليه في نفس الأمر، وهذه هي الحكمة التي أشار إليها جل شأنه بقوله (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) ويحتمل أن يجعل الباء بمعنى على، والجار بعد العلم متعلقا به، يعني يدخل عليهم العلم على حقائق الإيمان، ويحتمل أيضا أن يراد بحقيقة الإيمان أركانه وهي العقائد الصالحة والأعمال الفاضلة والله أعلم.
قوله (فتستجيب أرواحهم لقادة العلم) واستجابتها لهم لأجل مناسبة وارتباط بينها وبين أرواحهم المقدسة في أصل الصفاء والنورية والبهاء والاتصاف بالعلوم إلا أنها لما رأت العلوم