يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق قال: حدثني الثقة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) أنهم سمعوا أمير المؤمنين يقول في خطبة له: اللهم وإني لأعلم أن العلم لا يأرز كله ولا ينقطع مواده وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور، كيلا تبطل حجتك، ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم، بل أين هم وكم؟ أولئك الأقلون عددا والأعظمون عند الله جل ذكره قدرا، المتبعون لقادة الدين، الأئمة الهادين، الذين يتأدبون بآدابهم وينهجون نهجهم، فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الإيمان، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم ويستلينون من حديثهم ما استوعر على غيرهم ويأنسون بما استوحش منه المكذبون، وأباه المسرفون، اولئك أتباع العلماء صحبوا أهل الدنيا بطاعة الله تبارك وتعالى وأوليائه ودانوا بالتقية عن دينهم والخوف من عدوهم، فأرواحهم معلقة بالمحل الأعلى، فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل، منتظرون لدولة الحق، وسيحق الله الحق بكلماته ويمحق الباطل، ها، ها، طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم وياشوقاه إلى رؤيتهم في حال ظهور دولتهم وسيجمعنا الله وإياهم في جنات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
* الشرح:
قوله (اللهم واني لأعلم) قال الفراء: أصل اللهم يا الله أمنا بالخير فخفف بالحذف لكثرة الاستعمال فالواو حينئذ للعطف على المفهوم ضمنا وهو امنا بالخير وقيل: أصله يا الله فحذف حرف النداء وعوض عنها الميم المشددة فالواو حينئذ للعطف على جملة اللهم.
قوله (أن العلم لا يأرز كله ولا ينقطع مواده) أرز فلان يأرز بالراء ثم الزاي المعجمة إذا تضأم وتقبض، يعني أن العلوم الدينية والمعارف الإلهية والاسرار الربانية لا تذهب كله عن الخلق وإلا لارتفع التكليف عنهم. ولا تنقطع مواد العلم عنهم بالكلية وهم العلماء الراسخون والحكماء الإلهيون الذين يظهرون تلك العلوم على المستعدين للقبول والقائلين لفيضانها وهم علماء الفرقة الناجية رضوان الله عليهم فيبقى فيهم قدرا منها.
قوله (وانك لا تخلى أرضك من حجة لك على خلقك) لا تخلي إما من التخلية أو من الإخلاء والحجة هو الإمام و «ظاهر» صفة له والمغمور المستور من خوف يعلوه من غمره الماء أي علاه.
قوله (كيلا تبطل حجتك) إشارة - إلى قوله تعالى (لئلا يكون للناس على الله حجة) وإلى سبب عدم تخلية الأرض منه، قال بعض المحققين: ان الإمامية رحمهم الله آووا إلى هذا الكلام ليدفعوا ما أورد مخالفوهم عليهم حيث قالوا: يجب نصب الإمام على الله تعالى لأنه إذا كان لهم رئيس قاهر