الوداع نزل بالجحفة فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فأمره أن يقوم بعلي (عليه السلام) فقال: «أيها الناس ألستم تزعمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره وأعز من أعزه وأعن من أعانه» قال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، وفيه دلالة واضحة على أن ولايته (عليه السلام) للمؤمنين كولايته (صلى الله عليه وآله) لهم من غير تفاوت ولا تقييد بوقت ولا تخصيص بشرط، وهذا نص في الخلافة.
قوله (أوصيكم بكتاب الله) روى مثله مسلم في صحيحه (1) وصاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة والترمذي في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده بطرق عديدة مع اختلاف يسير وفيه أيضا دلالة واضحة على النص بخلافته (عليه السلام) حيث شاركه مع القرآن كما وجب على كل من آمن بالله وبرسوله التمسك بالقرآن كذا وجب عليه التمسك بذيل عصمته (عليه السلام) وإلا فرق بينهما وترك وصية نبيه.
قوله (وقال لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) لصفاء نفوسهم، ونقاء قلوبهم، وكثرة معاشرتهم ودوام ملازمتهم للنبي (صلى الله عليه وآله)، وفيهم باب مدينة علمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد اعترف العامة بكمال علمه ونهاية فضله. قال المازري: لا يخفى أن عليا (رضي الله عنه) كان مستجمعا لخلال شريفة ومناقب منيفة بعضها كاف في استحقاق الإمامة، وقد اجتمع فيه من حميد الصفات وأنواع الكمالات ما تفرق في غيره من الصحابة حتى قيل إنه من أشجع الصحابة وأعلمهم وأزهدهم وأفصحهم وأسبقهم إيمانا وأكثرهم جهادا وأقربهم نسبا وصهرا. كان معدودا في أول الجريدة وسابقا إلى كل فضيلة، وقد قال فيه رباني هذه الأمة ابن عباس: ولم يبق محمدة من محامد الدين والدنيا إلا وهو موصوف بها مع ما ورد فيه من الآثار المنبهة على مناقبه.
وقال القرطبي بعد ذكر نسبه (عليه السلام): اتفق الجمهور على أنه أول من أسلم لحديث «أولكم واردا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب». وقد عبد الله تعالى قبل أن يعبده أحدا من هذه الأمة بخمس سنين وشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) المشاهد كلها إلا تبوك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلفه مع أهله وقال «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» وزوجه ابنته فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء أهل الجنة. وله من الشجاعة والعلم والحلم والزهد والورع وكرم الأخلاق ما لا يسعه