فيه النور والبرهان والشفاء والبيان وبعث به من اصطفى من ملائكته إلى من أجتبى من رسله في الأمم الخالية والقرون الماضية حتى انتهت رسالته إلى محمد المصطفى (ص) فختم به النبيين وقفى به على آثار المرسلين، وبعثه رحمة للعالمين وبشيرا للمؤمنين المصدقين ونذيرا للكافرين المكذبين لتكون له الحجة البالغة وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم والحمد لله الذي أورد أهل بيته مواريث النبوة واستودعهم العلم والحكمة وجعلهم معدن الإمامة والخلافة وأوجب ولايتهم وشرف منزلتهم فأمر رسوله بمسألة أمته مودتهم، ذ يقول: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1) وما وصفهم من اذهابه الرجس عنهم وتطهيره إياهم في قوله:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (2) ثم إن المأمون بر رسول الله (ص) في عترته ووصل أرحام أهل بيته، فرد ألفتهم وجمع فرقتهم ورأب صدعهم (3) ورتق فتقهم وأذهب به الضغائن والإحن (4)، بينهم أسكن التناصر والتواصل والمودة والمحبة قلوبهم، فأصبحت بيمنه وحفظه وبركته وبره وصلته أيديهم واحدة وكلمتهم جامعة، وأهوائهم متفقة، ورعى الحقوق لأهلها ووضع المواريث مواضعها وكافأ إحسان المحسنين، وحفظ بلاء المبتلين وقرب وباعد على الدين ثم اختص بالتفضيل والتقديم والتشريف من قدمته مساعيه، فكان ذلك ذا الرياستين الفضل بن سهل إذ رآه له مؤازرا، وبحقه قائما وبحجته ناطقا ولنقبائه نقيبا ولخيوله قائدا ولحروبه مدبرا، ولرعيته سائسا، وإليه داعيا ولمن أجاب إلى طاعته مكافئا، ولمن عذل عنها منابذا وبنصرته متفردا ولمرض القلوب والنيات مداويا لم ينهه عن ذلك قلة مال ولا عوز رجال ولم يمل به طمع ولم يلفته عن نيته وبصيرته وجل بل عندما