يهول المهولون ويرعد ويبرق له المبرقون والمرعدون وكثرة المخالفين والمعاندين من المجاهدين والمخاتلين أثبت ما يكون عزيمة وأجرئ جنانا وأنفذ مكيدة وأحسن تدبيرا وأقوى في تثبيت حق المأمون والدعاء إليه حتى غصم أنياب الضلالة وفل (1) حدهم وقلم أظفارهم وحصد شوكتهم وصرعهم مصارع الملحدين في دينهم والناكثين لعهده الوانين (2) في أمره المستخفين بحقه الآمنين لما حذر سطوته وبأسه مع آثار ذي الرياستين في صنوف الأمم من المشركين وما زاد الله به في حدود دار المسلمين مما قد وردت أنبائه عليكم وقرأت به الكتب على منابركم وحمله أهل الآفاق إليكم إلى غيركم فانتهى شكر ذي الرياستين بلاء أمير المؤمنين عنده وقيامه بحقه وابتذاله مهجته ومهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة المحمود السياسة إلى غاية تجاوز فيها الماضين وفاز بها الفائزين وانتهت مكافأة أمير المؤمنين إياه إلى ما حصل له من الأموال والقطائع (3) والجواهر وإن كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه ولا بمقام من مقاماته فتركه زهدا فيه وارتفاعا من همته عنه وتوفيرا له على المسلمين واطراحا للدنيا واستصغارا لها وايثارا للآخرة ومنافسة فيها وسئل أمير المؤمنين ما لم يزل له سائلا وإليه فيه راغبا من التخلي والتزهد فعظم ذلك عنده وعندنا لمعرفتنا بما جعل الله عز وجل في مكانه الذي هو به من العز والدين والسلطان والقوة على صلاح المسلمين وجهاد المشركين وما أرى الله به من تصديق نيته ويمن نقيبته وصحة تدبيره وقوة رأيه ونجح طلبته ومعاونته على الحق والهدى والبر والتقوى، فلما وثق أمير المؤمنين وثقنا منه بالنظر للدين وإيثار ما فيه صلاحه وأعطيناه سؤله الذي يشبه قدره وكتبنا له كتاب حباء وشرط قد نسخ في أسفل كتابي هذا، وأشهدنا الله عليه ومن حضرنا من أهل بيتنا والقواد والصحابة والقضاة والفقهاء والخاصة والعامة ورأي أمير المؤمنين الكتاب به إلى الآفاق ليذيع ويشيع في أهلها ويقرأ على منابرها ويثبت عند ولاتها وقضاتها فسألني أن أكتب بذلك وأشرح معانيه، وهي على ثلاثة أبواب ففي الباب الأول: البيان عن كل آثاره التي
(١٦٧)