أحدا فيما يشتهي ويستلذ عن الفساد والظلم وإذا فعل الناس هذه الأشياء وأرتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لاحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم بعض فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والنساء وقتل بعضهم بعضا من حق ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل ومنها أن الله عز وجل حكيم ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهي عن الفواحش ولا يكون حظر الفساد والامر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الاقرار بالله عز وجل ومعرفة الامر والناهي ولو ترك الناس بغير إقرار بالله عز وجل ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد إذ لا آمر ولا ناهي ومنها إنا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة عن الخلق فلولا الاقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق مراقب لاحد فكان يكون في ذلك خلاف الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد ولا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون من أنواع الفساد.
فإن قال (قائل): فلم وجب عليهم معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة؟ قيل: لأنه لما أن لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملون به مصالحهم والصانع متعاليا عن أن يرى وكان ضعفهم وعجزهم إدراكه ظاهرا لم يكن بد لهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه ويقفهم على ما يكون به اجترار منافعهم ومضارهم فلو لم يجب معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجئ الرسول منفعة ولا سد حاجة ولكان يكون إتيانه عبثا لغير منفعة وصلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شئ.
فإن قال (قائل): فلم جعل أولي الامر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة منها أن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بان يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم