هو من المرتكزات الأولية في الأذهان من أن ما بالغير لا بد وأن ينتهي إلى ما بالذات وأن ما يكون نسبة الوجود والعدم إليه على حد سواء يحتاج في ترجحه إلى مرجح.
ثم قال السائل: " فقد حددته إذ أثبت وجوده ". الظاهر أن السائل لم يكن يحفظ ما يقوله الإمام عليه السلام جوابا لسؤالاته لأنه عليه السلام قد صرح واستدل على استحالة تحديده ومن المعلوم أن الحدود والتشخصات إنما تكون من قبل الماهيات لا أن الوجود بمجرده يستلزمها ولذلك أجابه عليه السلام لم أحده ولكني أثبته إذ لم يكن بين النفي والاثبات منزلة يعني عليه السلام حيث لم يمكن لنا النفي ولا التشبيه بسائر المخلوقات فيجب لنا الاذعان بوجوده وثبوته فقط.
قال له السائل: " فله إنية ومائية؟ " قال: " نعم لا يثبت الشئ إلا بإنية ومائية " أقول ليس المقصود بالانية والمائية في المقام ما اصطلحنا عليه في علم المعقول المطلق على جميع الممكنات في قولنا " كل ممكن زوج تركيبي " بل اللازم بقرينة المعاني المذكورة المثبتة لبساطته وعدم معلوليته جل وعلا أن يراد بهما الحقيقة والوجود ولكن لا بمعنى الماهية المنتزعة عن الجنس والفصل المستلزمين للتركب ونسبتهما أي نسبة الآنية والمائية في المقام إليه تعالى نظير نسبة الصفات الذاتية إلى الذات في كونهما مشيرين إلى حقيقة واحدة كما ذكر.
قال له السائل " فله كيفية؟ " قال: " لا لان الكيفية جهة الصفة والإحاطة " وكل منهما ينافي بساطته وقاهريته المطلقتين وأما من جهة أن التكيف بكيف يستلزم توصيفه وإحاطة الواصفين به من ذلك الوجه وهذا الوجه بقرينة الجمل الآتية أقرب إلى سياق الكلام.
قوله عليه السلام: " ولكن لابد من إثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره " وقد بين الإمام عليه السلام فيما مضى من الحديث ما يكون وجها ومستندا لما ذكره هنا ومجمل ما ذكره عليه السلام في جميع الموارد أنه إما أن لا نسند عليه تعالى شيئا من الصفات المتعارفة وإما أن نخصها بمعاني لا يشارك فيها