قوله عليه السلام: " أرجع بقولي شئ إلى إثبات معنى " فكأن سلب جميع المعاني المحمولة على الشئ أوجب توهم كون هذا الشئ ألفاظا وحروفا مجردة عن أي معنى معقول، إذ ما من معنى يمكن أن يطلق عليه الشئ قد صار مسلوبا منه فأي معنى يكون لفظ الشئ مستعملا فيه؟ فلذلك قال عليه السلام: لا أقصد بذلك أنه لفظ محض بل " وإنه شئ بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس " فإنه تعالى موجود بحقيقته غير المدركة لان جميع ما ندركه به بمنزلة مرآة محدود لا تري إلا مرائي محدودة، فليس لنا أن نتجسس ونتفحص عنه كما نتفحص عن حقائق سائر المدركات، والحاصل أن الادراك بأي آلة كانت لا يتعلق بشئ إلا أن يستشرف عليه ويحده بمعاني يعلمها من الأجسام والصور وغيرها من المدركات، فلما لم يكن جل شأنه وعز سلطانه جسما ولا صورة ولا غيرها فلا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور، ولا يغيره الزمان لوضوح أن النقصان والتغير إنما يعرضان على ما من شأنه الحركة والسكون وإذ لم يكن عز اسمه جسما ولا جسمانيا فلم يكن معروضا للنقصان والتغير ومن هنا ينقطع السؤال عن كيفية كونه تعالى قبل خلق الممكنات منسوبا إليه الزمان، فان الزمان إنما ننتزعه من الحركة المستحيلة بالنسبة إلى فاقد المادة والصورة بتمام معانيهما.
ثم سأل عن معنى إسناد السمع والبصر إليه تعالى، فقال عليه السلام: " هو سميع بصير:
سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه " ولما استلزم السمع والبصر بالجارحة والآلة التركب المستحيل في شأنه تعالى إن كانت الجارحة والآلة داخلية، والافتقار إلى الغير إن كانت خارجية، فقال عليه السلام: " إنه يسمع بنفسه و يبصر بنفسه " أقول: اعلم أن الصفات المستندة إلى الذات الاقدس على قسمين:
أحدهما الصفات الذاتية، وهي التي تشير مع تعددها إلى كمال الذات الواحد الاحد، فهي متعددة بحسب اللفظ والمفهوم، لا الحقيقة الواقعية فنسبة هذا القسم من الصفات إلى الذات نسبة العبارات المختلفة إلى جمال واحد وكمال فارد، وثانيهما الصفات الفعلية وهي التي بنفسها لا تساوق الذات الواحد القديم لأنها متجددة و متصرمة، فلا يمكن ان تعرض على الذات غير المتغير، نعم القدرة عليها من الصفات