أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم حفظا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الحد في الحرم لتعطلت حدود الله تعالى في حقهم وفاتت هذه المصالح التي لابد منها ولا يجوز الاخلال بها، ولان الجاني في الحرم هاتك لحرمته فلا تنتهض الحرمة لتحريم دمه وصيانته بمنزلة الجاني في دار الملك لا يعصم لحرمة الملك بخلاف الملتجئ إليها لجناية صدرت منه في غيرها.
(فصل) فأما حرم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع إقامة حد ولا قصاص، لأن النص إنما ورد في حرم الله تعالى، وحرم المدينة دونه في الحرمة فلا يصح قياسه عليه وكذلك سائر البقاع لا تمنع من استيفاء حق ولا إقامة حد، لأن أمر الله تعالى باستيفاء الحقوق وإقامة الحد مطلق في الأمكنة والأزمنة خرج منها الحرم لمعنى لا يلقى في غيره لأنه محل الانساك وقبلة المسلمين وفيه بيت الله المحجوج وأول بيت وضع للناس ومقام إبراهيم وآيات بينات فلا يلحق به سواه ولا يقاس عليه لأنه ليس في معناه والله سبحانه أعلم.
(مسألة) (وان أتى حدا في الغزو لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الاسلام فيقام عليه) وجملة ذلك أن من أتى حدا من الغزاة أو ما يوجب قصاصا في أرض الحرب لم يقم عليه حتى