بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول أما الكتاب فقوله عز وجل أو ما ملكت أيمانكم معطوفا على قوله وبالوالدين احسانا أمر بالاحسان إلى المماليك ومطلق الامر يحمل على الوجوب والانفاق عليهم احسان بهم فكان واجبا ويحتمل أن يكون أمرا بالاحسان إلى المماليك أمرا بتوسيع النفقة عليهم لان المرء لا يترك أصل النفقة على مملوكه اشفاقا على ملكه وقد يقتر في الانفاق عليه لكونه مملوكا في يده فامر الله عز وجل السادات بتوسيع النفقة على مماليكهم شكرا لما أنعم عليهم حيث جعل من هو من جوهرهم وأمثالهم في الخلقة خدما وخولا أذلاء تحت أيديهم يستخدمونهم ويستعملونهم في حوائجهم وأما السنة فما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصى بالمملوك خيرا ويقول أطعموهم مما تأكلون وأكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فان الله تعالى يقول لا يكلف الله نفسا الا وسعها وعن أنس رضي الله عنه قال كان آخر وصية رسول الله صلى الله وسلم حين حضرته الوفاة الصلاة وما ملكت أيمانكم وجعل صلى الله عليه وسلم يغرغر بها في صدره وما يقبض بها لسانه وعليه اجماع الأمة أن نفقة المملوك واجبة وأما المعقول فهو عبد مملوك لا يقدر على شئ فلو لم تجعل نفقته على مولاه لهلك (فصل) وأما سبب وجوبها فالملك لأنه يوجب الاختصاص بالمملوك انتفاعا وتصرفا وهو نفس الملك فإذا كانت منفعته للمالك كانت مؤنته عليه إذ الخراج بالضمان وعلى هذا يبنى أنه لا يجب على العبد نفقة ولده لعدم الملك لان أمه إن كانت حرة فهو حرة وإن كانت مملوكة فهو ملك مولاها فكانت نفقته على المولى ولان العبد لا مال له بل هو وما في يده لمولاه والمولى أجنبي عن هذا الولد فكيف تجب النفقة في مال الغير لملك الغير وكذا لا يجب على الحر نفقة ولده المملوك بأن تزوج حر أمة غيره فولدت ولدا لأنه ملك غيره فلا تجب عليه نفقة مملوك غيره ولو أعتق عبده بطلت النفقة لبطلان سبب الوجوب وهو الملك ثم إن كان بالغا صحيحا فنفقته في كسبه وإن كان صغيرا أو زمنا قالوا إن نفقته في بيت المال لأنه واحد من المسلمين حر عاجز لا يعرف له قريب وبيت المال مال المسلمين فكانت نفقته فيه وكذا اللقيط إذا لم يكن معه مال فنفقته في بيت المال لما قلنا وقالوا في الصغير في يد رجل قال لرجل هذا عبدك أودعتنيه فجحد قال محمد أستحلفه بالله عز وجل ما أودعته فان حلف قضيت بنفقته على الذي هو في يده لأنه أقر برقه ثم أقر به لغيره وقد رد الغير اقراره فبقي في يده واليد دليل الملك فيلزمه نفقته قال محمد ولو كان كبيرا لم أستحلف المدعى عليه لأنه إذا كان كبيرا كان في يد نفسه وكان دعواه هدرا فيقف الامر على دعوى الكبير فكل من ادعى عليه أنه عبده وصدقه فعليه نفقته ولو كان العبد بين شريكين فنفقته عليهما على قدر ملكيهما وكذلك لو كان في أيديهما كل واحد منهما يدعى أنه له ولا بينة لهما فنفقته عليهما وقالوا في الجارية المشتركة بين اثنين أتت بولد فادعاه الموليان ان نفقة هذا الولد عليهما وعلى الولد إذا كبر كل واحد منهما لان كل واحد منهما أب كامل في حقه والله أعلم (فصل) وأما شرط وجوبها فهو أن يكون الرقيق مملوك المنافع والمكاسب للمولى فإن لم يكن فلا تجب عليه نفقته فيجب على الانسان نفقة عبده القن والمدبر وأم الولد لان أكسابهم ملك المولى ولا تجب عليه نفقة مكاتبه لأنه غير مملوك المكاسب لمولاه ألا ترى أنه أحق بكسبه من مولاه فكان في مكاسبه كالحر فكانت نفقته في كسبه كالحر وكذا معتق البعض لأنه بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة وعندهما حر عليه دين والعبد الموصى برقبته لانسان وبخدمته لاخر نفقته على صاحب الخدمة لا على صاحب الرقبة لان منفعته لصاحب الخدمة ونفقة عبد الرهن على الراهن لان ملك الذات والمنفعة له ونفقة عبد الوديقة على المودع لما قلنا ونفقة عبد العارية على المستعير لان ملك المنفعة في زمن العارية له إذ الإعارة تمليك المنفعة ونفقة عبد الغصب قبل الرد على الغاصب لان منافعه تحدث على ملكه على بعض طرق أصحابنا حتى لو لم تكن مضمونة على الغاصب فكانت نفقته عليه ولان رد المغصوب على الغاصب ومؤنة الرد عليه لكونها من ضرورات الرد والنقفة من ضرورات الرد لأنه لا يمكنه الا باستبقائه ولا يبقى عادة الا بالنفقة فكانت النفقة مؤنات الرد لكونها من ضروراته فكانت على الغاصب والله أعلم
(٣٩)