الكلام الشافعي فمبنى على أن القرابة المحرمة للنكاح فيما سوى الولاد وهي قرابة الاخوة والعمومة والخؤولة حرام القطع عندنا وعنده لا يحرم قطعها وعلى هذا يبنى وجوب القطع بالسرقة ووجوب النفقة في هذه القربة انه لا يقطع ويجب النفقة عندنا خلافا له ولا خلاف في أن القرابة الولاد حرام القطع ولا خلاف أيضا في أن القرابة التي لا تحرم النكاح كقرابة بين الأعمام غير محرمة القطع فالشافعي يلحق هذه القرابة بقرابة بنى الأعمام ونحن نلحقها بقرابة الولاد وجه قوله إن العتق إنما يثبت بالقرابة لكون العتق صلة وكون القرابة مستدعية للصلة والاحسان إلى القريب والعتق من أعلى الصلات فلا يثبت الا بأعلى على القرابات وهي قرابة بنى الأعمام ولهذا الحق بها في كثير من الأحكام وهي جريان القصاص في نفس والطرف وقبول الشهادة والحبس بالدين وجواز الاستئجار ونكاح الحليلة وعدم التكاتب ولنا ان قرابة الولاد إنما أوجبت العتق عند الملك لكونها محرمة القطع وابقاء الملك في القريب يفضى إلى قطع الرحم لان الملك نفسه من باب الذل والهوان فيورث وحشة وانها توجب التباعد بين القريبين وهو تفسير قطعية الرحم وشرع السبب المفضى إلى القطع مع تحريم القطع متناقض فلا يبقى الملك دفعا للتناقض فلا يبقى الرق ضرورة لأنه لم يشرع بقاؤه في المسلم والذمي الا لأجل الملك المحترم للمالك المعصوم وإذا زال الرق ثبت العتق ضرورة والقرابة المحترمة للنكاح محرمة القطع لان النصوص المقتضية لحرمة قطع الرحم عامة أو مطلقة قال الله تبارك وتعالى واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام معناه واتقوا الله الذي تساءلون به فلا تعصوه واتقوا الأرحام فلا تقطعوها ويحتمل أن يكون معناه واتقوا الله وصلوا الأرحام وقد روى في الاخبار عن رسول الله صلى الله وسلم أنه قال صلوا الأرحام فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة والامر بالوصل يكون نهيا عن القطع لأنه ضده والامر بلا فعل نهى عن ضده وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الرحم شجنة من الله تعالى معلقة بالعرش تقول يا رب هذا مقام العائذ بك قطعت ولم أوصل فيقول الله تبارك وتعالى أما يكفيك انى شققت لك اسما من اسمي أنا الرحمن وأنت الرحم فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتته ومثل هذا الوعيد لا يكون الا بارتكاب المحرم فدل ان قطع الرحم حرام والرحم هو القرابة سميت القرابة رحما اما باعتبار ان الرحم مشتق من الرحمة كما جاء في الحديث والقرابة سبب الرحم والشفقة على القريب طبعا واما باعتبار العضو المخصوص من النساء المسمى بالرحم محل السبب الذي يتعلق به وجود القرابات فكان كل قرابة أو مطلق القرابة محرمة القطع بظاهر النصوص الا ما خص أو قيد دليل ثم نخرج الأحكام أما جريان القصاص فلا يفضى إلى قطع الرحم لان القصاص جزاء الفعل وجزاء الفعل يضاف إلى الفاعل فكان الأخ القاتل أو القاطع هو قاطع الرحم فكأنه قتل نفسه أو فقطع طرفه باختياره وكذا الحبس بالدين لأنه جزاء المطل الذي هو جناية فكان مضافا إليه وأما الإجارة فهي عقد معاوضة وهو تمليك المنفعة بالمال وانه حصل باختيارة فلا يفضى إلى القطع الا انه لا يجوز استئجار الأب ابنه في الخدمة التي يحتاج إليها الأب لا لأنه يفضى إلى قطعية الرحم بل لا ن ذلك يستحق على الابن شرعا فلا يجوز ان يستحق الا جر في مقابلته فلا يدخل في العقد ولو استأجر الابن أباه يصح ولكن يفسخ احتراما للأب ونحن نسلم ان للأب زيادة احترام شرعا يظهر في حق هذا وفي حق القصاص والحبس ولا كلام فيه وأما نكاح الحليلة فإنه وإن كان فيه نوع من الغضاضة لكن هذا النوع من الغضاضة غير معتبر في تحريم القطع فلان الجمع بين الأختين حرم للصيانة عن قطيعة الرحم ثم يجوز نكاح الأخت بعد طلاق أختها وانقضاء عدتها وإن كان لا يخلو عن نوع غضاضة وأما التكاتب فعند أبي يوسف ومحمد يتكاتب الأخ كما في قرابة الولاد وعن أبي حنيفة فيه روايتان ثم نقول عدم تكاتيب الأخ لا يفضى إلى قطعية الرحم لان ملكه لا يصلح للتكاتب لأنه من باب الصلة والتبرع وملك المكاتب ملك ضروري لا يظهر في حق التبرع والعتق فإذا لم يكاتب عليه لم يقدر الأخ على إزالة الذل عنه وهو الملك فلا يفضى إلى الغضاضة بخلاف الولد لان ملك المكاتب وإن كان ضروريا لم يشرع الا في حق حرية نفسه لكن
(٤٨)