ونظير هذا الاستدلال استدلالنا بقوله عز وجل والله خلقكم وما تعملون على تقدير تسليم إرادة المعمول من قوله سبحانه وتعالى وما تعملون في اثبات خلق الافعال من الله تبارك وتعالى أخبر سبحانه انه خلقهم وخلق معمولهم ولا معمول بدون العمل فيدل على كون المعمول مخلوق الله عز وجل وقوله الله عليه وسلم ان شكرك فهو خير له لان المعتق لما أنعم الله عليه بالاعتاق فقد وجب عليه الشكر فإذا شكره فقد أدى ما وجب عليه فكان خيرا له وقوله صلى الله عليه وسلم وشر لك لأنه قد وصل إليه شئ من العوض فأوجب ذلك نقصانا في الثواب لأنه يصير كأنه أعتقه على عوض فكان ثوابه أقل ممن أعتق ولم يصل إليه على اعتاقه عوض دنيوي أصلا ورأسا وقوله صلى الله عليه وسلم وان كفرك فهو خير لك لان اعتاقه إذا خلى عن عوض دنيوي يتكامل ثوابه في الآخرة وقوله صلى الله عليه وسلم وشر له لان شكر النعمة واجب عقلا وشرعا فإذا لم يشكره فقد ترك الواجب فكان شرا له وروى أن معتق بنت حمزة رضي الله عنه مات وترك بنتا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف ماله لابنته والنصف لابنة حمزة وروى عن عمر رضي الله عنه وعلى وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبى مسعود الأنصاري وأسامة ابن زيد رضي الله عنهم انهم قالوا الولاء للكبر فاتفاق هؤلاء النجباء من الصحابة رضي الله عنهم على لفظ واحد بدليل سماعهم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما ان هذا حكم لا يدرك بالقياس فالظاهر قول السماع وسيأتي تفسير هذا الحديث في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى وأما الاجماع فان الأمة أجمعت على ثبوت هذا الولاء واما المعقول فمن وجوه أحدها ان الاعتاق انعام إذ المعتق أنعم على المعتق بايصاله إلى شرف الحرية ولهذا سمى المولى الأسفل مولى النعمة في عرف الشرع وكذا سماه الله تعالى انعاما فقال عز وجل في زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه قيل في التفسير أنعم الله عليه بالاسلام وأنعمت عليه بالاعتاق فجعل كسبه عند استغنائه عنه لمولاه شكرا لانعامه السابق ولهذا لا يرث المعتق من المعتق والثاني ان المعتق في نصرة المعتق حال حياته ولهذا كان عقله عليه وعليه ان ينصره بدفع الظلم عنه وبكفه عن الظلم على غيره فإذا جنى فقد قصر في أحد نوعي النصرة وهو كفه عن الظلم على غيره فجعل عقله عليه ضمانا للتقصير فإذا مات جعل ولاؤه لمعتقه جزاء للنصرة السابقة والثالث ان الاعتاق كالايلاد من حيث المعنى لان كل واحد منهما احياء معنى فان المعتق سبب لحياة المعتق باكتساب سبب الأهلية والمالكية والولاية التي يمتاز بها الآدمي عن البهائم كما أن الأب سبب حياة الولد باكتساب سبب وجوده عادة وهو الايلاد ثم الايلاد سبب لثبوت النسب فالاعتاق يكون سببا لثبوت الولاء كالايلاد وهذا معنى قول النبي صلى الله وعليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب والله عز وجل أعلم فبعد هذا يقع الكلام في مواضع في بيان سبب ثبوته وفي بيان شرائط الثبوت وفي بيان صفة الثابت وكيفيته وفي بيان قدره وفي بيان حكمه وفي بيان ما يظهر له أما سبب ثبوته فالعتق سواء كان العتق حاصلا بصنعه وهو الاعتاق أو ما يجرى مجرى الاعتاق شرعا كشراء القريب وقبول الهبة والصدقة والوصية أو بغير صنعه بان ورث قريبه وسواء أعتقه لوجه الله أو لوجه الشيطان وسواء أعتقه تطوعا أو عن واجب عليه كالاعتاق عن كفارة القتل والظهار والافطار والايلاء واليمين والنذر وسواء كان العتاق بغير بدل أو ببدل وهو الاعتاق على مال وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط أو مضافا وقت وسواء كان صريحا أو يجرى مجرى الصريح أو كناية أو يجرى مجرى الكناية وكذا العتق الحاصل بالتدبير والاستيلاد ويستوى فيه صريح التدبير والاعتاق والاستيلاد والكتابة والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق من غير فصل وعلى هذا إذا أمر المولى غيره بالاعتاق في حال حياته أو بعد وفاته ان الولاء للآمر لان العتق يقع عنه ولو قال لآخر أعتق عبدك عنى على ألف درهم فأعتق فالولاء للآمر لان العتق يقع عنه استحسانا والقياس أن يكون الولاء للمأمور لان العتق يقع عن المأمور وهو قول زفر وجه القياس انه أمر باعتاق عبد الغير عن نفسه وهذا لا يصح لان العتق لا يقع بدون الملك ولا ملك للآمر بل
(١٦٠)