تضيق الوقت فلا يسعه تأخير البيان بعد ذلك بمنزلة الصلاة بعد دخول الوقت فرض ولكن الوقت واسع فإذا بلغ آخر الوقت تضيق فلا يسعه التأخير بعد ذلك وهذا فيما لم يشتهر في أهل مصر فاما فيما اشتهر فيهم فلا حاجة ولا ضرورة لان الراجع يتمكن من تحصيل ذلك لنفسه من علماء أهل مصر وأهل مصر يتوصلون إلي ذلك من جهة علمائهم دون هذا الراجع إليهم والمؤمنون كنفس واحدة يعنى إذا تألم بعض الجسد تألم الكل وإذا نال الراحة بعض الجسد اشترك في ذلك سائر الأعضاء فإذا كان مشهورا في أهل مصر لا يندرس بامتناع هذا العالم من البيان له وإذا لم يكن مشهورا فيهم فترك البيان يؤدى إلى الاندراس في حقهم فكما لا يحل له أن يترك البيان لأهل مصر حتى يندرس فكذا لا يحل ترك البيان للذي ارتحل إليه من موضع آخر لهذا المقصود وهو غير مشهور في أهل مصر ثم إن الله تعالى خلق أولاد آدم عليه السلام خلقا لا تقوم أبدانهم الا بأربعة أشياء الطعام والشراب واللباس ولكن أما الطعام فقال الله تعالى وما جعلناهم جسدا الآية وقال عز وجل كلوا من طيبات ما رزقناكم وأما الشراب فقال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي وقال جل وعلا وكلوا واشربوا وأما اللباس فقال الله تعالى يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا وقال الله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية وأما لكن فلأنهم خلقوا خلقا لا تطيق أبدانهم معه أذى الحر والبرد ولا تبقى على شدتهما قال الله تعالى وخلق الانسان ضعيفا فيحتاج إلى دفع أذى الحر والبرد عن نفسه لتبقي نفسه فيؤدى بها ما تحمل من أمانة الله تعالى ولا يتمكن من ذلك الا بكن فصار الكن لهذا بمعنى الطعام والشراب (قال وقد دلهم المعاش بأسباب فيها حكمة بالغة) يعني ان كل أحد لا يتمكن من تعلم جميع ما يحتاج إليه في عمره فلو اشتغل بذلك فنى عمره قبل أن يتعلم وما لم يتعلم لا يمكنه أن يحصل لنفسه وقد تعلقت به مصالح المعيشة فيسر الله تعالى على كل واحد منهم تعلم نوع من ذلك حتى يتوصل إلى ما يحتاج إليه من ذلك النوع بعلمه فيتوصل غيره إلى ما يحتاج إليه من ذلك بعلمه أيضا واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا * وبيان هذا في قوله تعالى ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات الآية يعنى ان الفقير محتاج إلى مال الغني والغنى يحتاج إلى عمل الفقير فهنا أيضا الزارع يحتاج إلى عمل النساج ليحصل اللباس لنفسه والنساج يحتاج إلى عمل الزارع ليحصل الطعام والقطن الذي يكون منه اللباس لنفسه ثم
(٢٦٤)